الرئيس عالج في “غرونبل” أم يعالج، ذهب لإجراء فحوصات أم لم يذهب، هل هو في حاجة للعلاج من مرضه القديم أم من مرض آخر، هل هو يُسيِّر شؤون البلاد أم لا يُسيرها، هل هو قادر أم عاجز، هل البلاد في حاجة إليه أم في حاجة للانتقال إلى مرحلة أخرى، كلها تساؤلات ظهرت عدة مرات ملحة وفي الوقت نفسه ظلت غير مفيدة. فمن يخافون على البلاد يقلقون من غياب الرئيس ومن احتمال عجزه عن ممارسة مهامه ومن احتمال ممارسة هذه المهام من أطراف أخرى لا تملك الأهلية أو لا تملك الشرعية أو لا تملك الحق الدستوري القانوني في ممارسة هذه المهام تحت سلطة رئيس عاجز، ومن يقلقون على “سلطة الرئيس” حبا في الرئيس أو خوفا على مصالحهم وعلى نفوذهم يؤكدون، وأحيانا بشكل مرضي وخاصة غير مقنع، أن الرئيس يمارس مهامه بشكل عادي، كلا الطرفين في ورطة سياسية وكلاهما عاجز عن إخراج البلاد من هذا الوضع الغريب. وهنا المشكلة الحقيقية. وهذه وصفها الدقيق هو: الانسداد. دولة تقريبا من غير مؤسسات رئيسها متعب ومريض وقد لا يمارس من سلطاته وصلاحياته إلا الشيء القليل، أعطت سلطة لا تستطيع أن تقود عملية إعلامية عادية من أجل نقل رسالة إلى الرأي العام الداخلي والخارجي عن تنقل الرئيس للعلاج من عدمه، ثم تلوم وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي على “نقل إشاعات” أو تداولها أو تصديقها، وكأنهم لا يعرفون أن غياب المعلومة أو إخفاءها هو محرك الإشاعة. في كل الأحوال الموضوع السياسي الإعلامي الأكثر أهمية اليوم عند الجزائريين صار صحة الرئيس و«إدارة” هذا الملف من قبل السلطة ومن قبل أطراف أخرى، وهذا صار مسلسلا ممجوجا وأدخل البلاد في جدل عقيم وفي دوامة قد لا تحمد عقباها. قد تكون رغبة عمارة بن يونس، ومن لف لفه، أن “يُسكِت” الجزائريين ووسائل الإعلام، وأن يمنعهم من تناول الموضوع أو من جعله الموضوع السياسي الإعلامي الرئيسي، لكن مؤكد أن رغبته غير منطقية، لأن “إدارة السلطة” للملف بالتكتم والتعتيم هي التي تستدرج كل ذلك الاهتمام وهي التي تستفيد منه أحيانا كثيرة. المشكلة الأخرى أن وسائل إعلام فرنسية هي التي تناولت الموضوع قبل غيرها، وبعد ذلك الصمت. لا مصدر رسمي جزائري ينفي أو يقدم معلومة بديلة. فهل وسائل الإعلام الفرنسية التي تناولت هذا الخبر “متورطة” في مناورة سياسية لصالح السلطات الفرنسية أو لصالح أطراف جزائرية، أم أنها تعمل ضد “استقرار الجزائر”؟! ذلك ما أوحت به بعض وسائل الإعلام المقربة من عصبة الرئاسة. القاعدة هي: دولة ضعيفة المؤسسات لابد لها من سلطة قوية وسلطة ضعيفة لابد لها من دولة مؤسسات قوية، ولكن مثل هذه القاعدة غير سليمة في الجزائر، لأن وزراء مساندون للرئيس بشكل inconditionnels لا مشروط، وإن كانت الترجمة لا تعكس معنى الكلمة بشكل كامل، يكررون، مثل بن يونس، بشكل ممجوج في كثير من الأحيان أن الرئيس يمارس صلاحياته بصفة عادية وأوضاع البلاد عادية. الرئيس مريض ومتعب والدستور يمنحه سلطات واسعة جدا، ويجعل كل المؤسسات الأخرى في حالة ركود، إن تخلف عن ممارسة مسؤولياته. ونظام بوتفليقة جعل المؤسسات واهنة راكدة، وحال الرئيس بوتفليقة جعل الكل يرتقب ويترقب، فالسلطة وعدت مثلا بمراجعة الدستور بشكل توافقي وبدأت عملية، وإن لم تتمتع بكثير مصداقية، ثم سكتت عن كل شيء. فإما أنها لم تعد في حاجة لذلك أو أن الوضع هو الذي لم يعد في حاجة لذلك، وصار في حاجة لعملية سياسية أكثر جدية ومصداقية.على العموم تعيش البلاد، سلطة ومؤسسات هشة، الحالة الصحية للرئيس وهي في حاجة لعملية “علاج وإنقاذ” عاجلة ويمكن الرئيس إن أراد أن يبادر بها أو يسمح بها ويمكنه أن يرحم البلاد من كل هذه المناورات ومن كل هذا الغموض ومن كل هذا الترقب ومن كل هذه الإدارة السيئة ومن كل هذه التصريحات القاصرة المعنى والقاصرة على الإقناع. زمن المناورات طال ومرض الرئيس قد يطول ويتعقد وزمن الحل كلما تأخر زاد تعقيدا وكلفة. ولكن يبدو أن المرض الأخطر هو مرض السلطة والبقاء في السلطة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات