حجرس يبرز أسباب التحول نحو التعصب ”الهوياتي”

+ -

وقّع صادق حجرس، أول أمس، بمكتبة ”الاجتهاد”، والصادرة عن منشورات ”ايناس” مذكراته بعنوان ”لما تصحو أمة”، بحضور جمهور غفير، اصطفوا في طابور طويل، للظفر بإمضاء السكرتير الأول السابق لحزب الطليعة الاشتراكية اليساري، إلى غاية سنة 1992. تبدأ مذكرات صادق حجرس (وليس هجرس) من سنة 1929، وتتوقف عند عام 1949، وهو عام الصراع داخل حزب الشعب- انتصار الحريات الديمقراطية من أجل الهوية الوطنية، والمسألة الديمقراطية. وغطّت المذكرات التي جاءت في أكثر من أربعمائة صفحة، عشرون عاما فقط من حياة صادق حجرس النضالية، المليئة بالمواقف السياسية والصراعات الفكرية. وعليه جاءت المذكرات على شكل وثيقة فكرية، تؤرخ ثقافيا وفكريا وسياسيا لمرحلة حاسمة من تاريخ الجزائر الحديث، تمثلت بالأخص فيما يسمى بالأزمة البربرية، وفق ما روّجت له أدبيات الحركة الوطنية داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية، والتي يرفض حجرس أن تلصق بها هذه التسمية، مفضلا مثل المؤرخ محمد حربي تسمية ”الأزمة الديمقراطية”. ويدرك قارئ المذكرات أن الأزمة وقعت عقب الانسداد الذي حصل على مستوى القيادة، وبفعل ظاهرة ”عبادة الشخصية” التي سطرها مصالي الحاج، الذي اختار للحزب توجها عروبيا عقب لقائه مع رشيد رضا.وكانت الأزمة قد برزت حسب حجرس داخل الحركة الطلابية، واتخذت في الأول منحا فكريا، لتصطبغ لاحقا بالصبغة السياسية، بمجرد أن حاول بعض من أعضاء الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، طرح قضية الديمقراطية للخروج من المأزق الذي وقعت فيه حركة انتصار الحريات الديمقراطية. وأوضح حجرس أن قيادة الحزب لم تجد من وسيلة للابتعاد عن النقاش الحقيقي، سوى إلصاق تهمة ”البربرية” على التيار الذي طرح مسائل حقيقية، متعلقة بالهوية والديمقراطية. وكشف حجرس بالمناسبة أن مسألة ”حزب الشعب البربري”، ليست سوى أكذوبة، روجت لها وسائل الإعلام الكولونيالية فابتلعتها القيادة، وراحت تشهرّها كسلاح غرضه إقصاء وإبعاد أصحاب التصور الديمقراطي، والهوية المتعددة للجزائر، التي تطلب أكثر من خمسين سنة من النضال، لكي تنتصر خلال السنوات الأخيرة، وتدخل الجزائر في مصالحة شاملة مع الهوية.                                                                                               ويعثر قارئ مذكرات صادق حجرس، على كم هائل من التحليلات، بشأن النقاشات الفكرية التي كانت تعج بها الجزائر خلال أربعينيات القرن العشرين، حيث تحدّث عن مالك بن نبي، وكيف استقبل مناضلي الحركة الوطنية فكرة ”القابلية للاستعمار”، وكيف رفض بن نبي أي نقاش علني مع خصومه الذين اعتبروا الفكرة بمثابة ”حماقة”، جاءت في وقت كانت فيه الحركة الوطنية تستعد لبلورة فكرة نضالية راديكالية ضد الاستعمار. ويعتقد حجرس أن رفض بن نبي لأي حوار ونقاش فكري مع خصومه، فوّت على الجزائر فرصة حقيقية لحل مشكلة الهوية حلا فكريا، بعيدا عن تأثيرات السياسة، معتبرا أن بعض قيادات حركة انتصار الحريات الديمقراطية (بالأخص عبد الرحمن كيوان)، كانت ترفض آنذاك الخوض في أي صراع فكري وإيديولوجي، مفضلا ترك كل شيء لما بعد الاستقلال. كما يتوقف حجرس عند جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مبديا احتراما كبيرا بشخص ابن باديس، ومعتبرا إياه بمثابة صاحب أفكار كانت صالحة للمجتمع الجزائري خلال مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية، مبديا انتقاده توظيف السياسة لتراث الجمعية ما بعد الاستقلال. وتسير مذكرات صادق حجرس في منحى فكري نضالي، يحاول التخلص من هيمنة الإيديولوجي، في سبيل قراءة متحررة لتاريخ الجزائر الثقافي. وتعدّ بمثابة محاولة لإبراز اللحظات التاريخية التي انحرفت خلالها الجزائر نحو تعصب هوياتي، وخيارات منافية للمواطنة والديمقراطية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: