فقدت الجزائر العاصمة والولايات المجاورة لها، مطلع هذا الشهر، واحدا من الشخصيات الشعبية التي حجزت لنفسها مكانة على مدار الأربعين عاما الماضية بشارع طنجة أو ما يعرف بـ”لاري طونجي”، إنه صاحب مطعم “ملك اللوبيا”، السيد علي خليل عمار، المشهور بكنيته “علي المورو”، عن عمر ناهز 78 سنة.ينطبق المثل الشعبي “من خلف.. لم يمت” على ورقة العم “علي المورو” الذي وافته المنية في الفاتح من نوفمبر الجاري، بعد صراع مع مرض القصور الكلوي.. فصانع طبق “اللوبيا” الشهير “المورو” ترك اسما سيظل راسخا عند كل من تذوق طبق “اللوبيا” في مطعمه الصغير بشارع طنجة..بمجرد أن دخلنا “مملكة المورو”، وقبل أن تجذبنا رائحة طبق “اللوبيا” إلى الطاولة، تحدثنا إلى الهادي صهر “المورو”، الذي يتولى تسيير المطعم بعد وفاة مؤسسه، حيث يروي أن “المورو” الذي أدى مناسك الحج هذا العام بعد أن ساء وضعه الصحي، أوصاه قبل وفاته بإخراج الصدقات لعائلات معينة يعرف ظروفها المادية الصعبة، مشددا على الالتزام بتنفيذ وصيته.أما الطباخون الذين عايشوه فلم يستفيقوا بعد من صدمة الفراق، وأبدوا تأثرا كبيرا لغياب “معلمهم”، مشيرين إلى أنهم عاهدوه وهو على قيد الحياة بأن يواصلوا مسيرته وعدم تغيير النشاط وعدم البخل على الفقراء والأشخاص الذين لا مأوى لهم.ويضيف الهادي أن بدايات “المورو” كانت في التجارة، وفي أواخر الستينيات قرر بناء “مملكة اللوبيا” التي ذاع صيتها متجاوزا حدود العاصمة، لتصبح مقصدا لكل من يهوى طبق “اللوبيا”، بل هناك من يأتي خصيصا من خارج الوطن، من أبناء جاليتنا، ليحط رحاله بمطعم عمي علي ويتذوق طبق “اللوبيا”.ويقول الهادي مجيبا على سؤال حول سر وصفة “المورو” في إعداد هذا الطبق، إنها تتكون من “خلطة سحرية تعتمد على التوابل وأنواع الفلفل المحلي والمستورد، تركها “المورو” لصاحبه العم صالح الذي شاركه لقرابة العشرين سنة العمل في المطعم، حيث يأتيان في الصباح لتحضير الخلطة والوقوف على طبخها، ليأتي بعد ذلك العمال لإتمام باقي الأشغال من تنظيف وتهيئة الأطباق الثانوية.وتنفيذا لوصية الفقيد، يضيف المتحدث، لم يغلق المطعم أبوابه يوم الوفاة في الأول من هذا الشهر، حيث قدموا وجبات مجانية لكل من قصد المطعم.يقفون في طوابير للظفر بـ”طبق الزوالي”جنرالات ووزراء على باب “ملك اللوبيا”
استطاعت “لوبيا” عمي “المورو” أن تأسر قلوب الكثير من الجزائريين نظرا لذوقها، ما جعل الإقبال على هذا الطبق طوال أيام السنة، وليس فقط في فصل الشتاء.يقول رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، إنه كان يتردد على محل عمي “المورو” عندما كان طالبا في الجامعة، وذلك إما لتناول “اللوبيا” أو “الحمص بزيت الزيتون” الذي يحضّره الشيخ رابح (صديق المورو)، مضيفا وهو يستحضر ذكرياته مع زملائه بشارع “لاري طونجي” “الكثير من أصدقائي الذين كانوا يقصدون “ملك اللوبيا” هم اليوم جنرالات وإطارات سامون في الدولة”.من جهته، يقول الدكتور الهادي خالدي، الوزير السابق للتكوين المهني، إنه قصد محل “ملك اللوبيا” مرة بالصدفة، رفقة وزيرين تحفّظ على ذكر اسمهما، وذلك بمناسبة مناقشة برنامج الحكومة في البرلمان سنة 2008، “يومها كان الجو ممطرا وباردا، ففضلت والوزيران اللذان رافقاني تناول طبق من اللوبيا الساخن، فقصدنا أقرب مكان وهو شارع طنجة المشهور بمحلات بيع الأطباق الشعبية”.أما محمد السعيد، وزير الاتصال الأسبق ، فأكد أنه لم يقطع صلته بمحلات الأطباق الشعبية، لاسيما محل “ملك اللوبيا”، يقول: “كنت أتردد عل محل “ملك اللوبيا”، وآخر مجاور مختص في طهي المخ منذ سنوات السبعينيات رفقة أصدقائي الصحفيين، ومازلت أتردد عليهما كلما سمحت لي الفرصة، فطريقة طهي اللوبيا تعجبني كثيرا، ولا أخفي عليكم عشقي للأكلات الشعبية”ّ. «لوبيا المورو” جذبت أيضا الجنرالات، حيث يروي مسير المطعم حادثة طريفة وقعت لجنرال كان يتردد على المحل بالزي المدني، إذ بينما كان هذا الأخير منهمكا في تناول طبق “اللوبيا”، شد انتباهه حديث بعض الزبائن ينتقدون فيه سياسة الجنرالات، حينها انتفض “الجنرال” مفندا ما كان يقوله هؤلاء، قبل أن يكشف عن هويته لصاحب المحل، مظهرا له بطاقته المهنية.كما أكد نفس المصدر أن وزيرة الثقافة السابقة، خليدة تومي، كانت تعشق طبق “اللوبيا” الذي يعرضه المطعم.من جانبه، أفاد رئيس جمعية الجاحظية، محمد التين، أن “ملك اللوبيا” يشكّل معلما من معالم الشارع الشعبي “طنجة”، يقصده أول من يحط الرحال بالعاصمة، مضيفا “اكتشفت المحل سنة 1967، عندما التحقت بالمدرسة العليا للصحافة، ولأن المنحة الدراسية لم تكن تسمح لي بتناول وجبة في مطاعم أخرى، كنت ومازلت أقصده رفقة أصدقائي المثقفين والصحفيين”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات