+ -

لم تنقسم أحزاب التيار الإسلامي في مواقفها في الرئاسيات الماضية فحسب، بل استمر الخلاف ليلقي بظلاله على مواقف قياداته بشأن كيفية التعامل مع أرضية الانتقال الديمقراطي ومبادرة الإجماع الوطني للأفافاس، بحيث ظهر فرق واضح وخلاف صارخ بين المرحبين بالتنسيقية والرافضين لخطة جبهة القوى الاشتراكية والعكس، بل وصل الخلاف في الرأي إلى حد توعد رئيس حمس بمعاقبة أبو جرة سلطاني بسبب عدم ”استشارته” لمؤسسات الحركة قبل المشاركة  في مشاورات الأفافاس، في صورة وإن كانت ترى فيها قيادة حمس أن سلطاني ”يغرد” خارج السرب، لكنها تظهر أن الخط المعتمد من قبل أحزاب التيار الإسلامي سواء باتجاه السلطة أو نحو مبادرات لأحزاب معارضة، لم يعد يتسع لاحتواء الآراء وعدم تفرقها لدى القيادات، فكيف هو الحال لدى قواعد التيار الإسلامي الذين قد يضيع منهم ”رأس الخيط” وهم يرون تفرق التيار عددا وتناقضا في المواقف لدى قيادات أحزابهم.رفضوا مبادرته واعتبروها لا تحمل أي جديدحمس والنهضة والإصلاح والعدالة والتنمية في نقطة القطيعة مع الأفافاس كشفت مواقف الأحزاب الإسلامية المتفرقة بين أرضية الانتقال الديمقراطي ومبادرة الإجماع الوطني، أن زعماء التيار الإسلامي لم يجدوا بعدُ ”الوصفة” التي تجمعهم ولا تفرقهم، خصوصا في المواعيد والاستحقاقات السياسية الهامة، ما يطرح علامات استفهام حول أزمة ”الزعامة” بين قيادات هذا التيار. بعدما تفرق قادة التيار الإسلامي في الانتخابات الرئاسية الماضية بين المشاركين والمقاطعين، واختلفوا أيضا بين المنضوين في تنسيقية الانتقال الديمقراطي والمنخرطين في قطب قوى التغيير، جاء الدور لتنقسم آراؤهم مرة أخرى بشأن الانضمام لأرضية الانتقال الديمقراطي أو المشاركة في مبادرة الإجماع الوطني للأفافاس. فبينما أعلنت حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح وجبهة العدالة والتنمية وكوادر من ”الفيس”، تمسكهم بأرضية تنسيقية الانتقال الديمقراطي وانتقدوا بشدة مبادرة الإجماع الوطني وقرروا إدارة ظهرهم لها، حدث العكس مع الرئيس السابق لحركة حمس أبو جرة سلطاني بمعية رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة اللذين رحبا بمبادرة الأفافاس وانتقدا ضمنيا من يحكمون بـ ”النوايا” عليها، مثلما ذهب إليه سلطاني الذي أطلق عليه مقري النار بسبب مشاركته في المشاورات مع الأفافاس. وتكشف هذه المواقف المتناقضة وسط التيار الواحد، ليس تعددية في الرأي والاجتهاد، بقدر ما تعكس عدم قدرة أحزاب التيار الإسلامي على جمع شملها وعدم وضوح ورقة الطريق لديها، بالرغم من أن أغلبية الأحزاب والكوادر المشكلة لها قد خرجت من رحم حزبي حركة مجتمع السلم والنهضة، بعد الانشقاقات التي وقعت بداخلهما لأسباب مختلفة. ورغم اغتراف قيادييها من نفس المنبع، إلا أن ذلك لم يزد سوى في حالة ”التنافر” وليس الاقتراب بينها في المواقف، خصوصا في أهم المحطات التي عرفتها الجزائر، سواء استحقاقات انتخابية أو قضايا وملفات حيوية، بحيث ظل ”التوافق” غائب حولها، مثلما هو الأمر اليوم بخصوص مبادرة الانتقال الديمقراطي التي يدعمها جزء ويرفضها آخر، ونفس الشيء بالنسبة لمبادرة الإجماع الوطني التي اقترحها الأفافاس، حيث اعتبرتها بعض الأحزاب إسلامية ”مناورة” للالتفاف حول مطالب المعارضة من قبل السلطة، وقال مقري إنها ”لا تحمل أي جديد” عما جاء في أرضية ندوة زرالدة، ورافع لصالحها البعض الآخر على غرار مناصرة وسلطاني الذي رفض الحكم عليها بـ ”النوايا”.وقد يعود موقف حركة حمس والنهضة والإصلاح وجبهة العدالة والتنمية، إلى أنها كانت السباقة في تحضير ندوة زرالدة وفي وضع قطار ”الانتقال الديمقراطي” على السكة، خصوصا من خلال الحشد العددي للأحزاب والشخصيات التي نجحت في جمعهم حول طاولة واحدة، وبالتالي فإنها تدافع باستماتة عن مشروعها وقيادته، وليس بمقدورها التخلي عنه لفائدة مبادرة أخرى قد تكون فيه مجرد رقم ضمن الحضور، حتى وإن كان جاب الله الذي رفض استقبال وفد الأفافاس لمناقشة ”الإجماع الوطني”، يشير إلى أن خلافهم جوهري مع الأفافاس لكون هذا الأخير يعترف بشرعية النظام، وفي ذلك إشارة إلى أن الإسلاميين رفعوا سقف معارضتهم للنظام أكثر من الأفافاس! فهل تصب مواقف الأحزاب الإسلامية المنتقدة لمبادرة الأفافاس من باب تحذيره من ألاعيب السلطة أكثر من باب رفض مشروعه، بعدما جربوا خلال تواجدهم في السلطة ما لم يجربه الأفافاس الذي ظل 50 سنة في المعارضة؟ أم أن التيار الإسلامي يرى نفسه صاحب قاعدة شعبية واسعة والأحق بتزعم القافلة من غيره، حتى ولو كلفه ذلك خسارة علاقته مع أقدم حزب معارض، بعدما رسَّم قبل ذلك الطلاق وفك الارتباط مع السلطة؟مناصرة وسلطاني يرحبان بفكرة ”الإجماع الوطني”الإسلاميون بصفوف مشتتة حيال مسعى الأفافاس تتعاطى الأحزاب الإسلامية مع فكرة ”إعادة بناء الإجماع الوطني” التي تطرحها جبهة القوى الاشتراكية بطريقتين مختلفتين، بل تظهران أحيانا متناقضتين. فجزء من التيار الإسلامي يرفضها رفضا قاطعا بحجة أنها محاولة لإنقاذ نظام نخرته الصراعات بداخله، وجزء آخر يرحب بها ويترقب تصرف السلطة إزاءها. بين الخط الراديكالي الذي تعامل به عبد الله جاب الله وعبد الرزاق مقري ومحمد ذويبي مع فكرة الأفافاس، والموقف المهادن إزاءها الذي يمثله عبد المجيد مناصرة وأبو جرة سلطاني، يبدو الاختلاف واضحا بين الإسلاميين. وإذا كان أصحاب الخطين يشتركان في اشتمام رائحة مشاركة السلطة في بلورة مسعى أقدم حزب في المعارضة، فهم لم يمانعوا الاطلاع على محتوى الفكرة حتى لا يشار إليهم على أنهم يرفضون مبدأ التوافق. وبخلاف الاستشارة الدستورية التي نظمها أحمد أويحيى في جوان الماضي عندما شارك فيها قطاع من التيار الإسلامي وقاطعها تيار آخر، أيد الإسلاميون في معظمهم مسعى الإجماع الذي يقترحه الأفافاس من حيث المبدأ. غير أن أحزاب حمس والنهضة والعدالة التي تمثل الإسلاميين في ”تنسيقية الانتقال الديمقراطي”، تحفظت على الخطوة بحجة أنها لم تأت بأي جديد يختلف عما يطرحه نشطاء التنسيقية. فهم يريدون انتقالا من الوضع السياسي الحالي المتميز بالجمود واحتكار السلطة إلى التداول الحقيقي على الحكم بواسطة الصندوق الشفاف، على أن يتحقق هذا المشروع بمشاركة السلطة لقناعة هؤلاء باستحالة تغيير النظام. ويريد الأفافاس نفس الشيء، أي توافقا بين الطبقة السياسية والسلطة على التغيير، ويقول قادته إنهم يؤدون دور ”المسهل” في محاولة إيجاد هذا التوافق. كما يقولون أيضا إنهم يريدون تجنيب البلاد نماذج التغيير غير الموفقة كسوريا وليبيا واليمن، ويذكر الإسلاميون في التنسيقية أن المشروع الذي يروجون له يقترح نفس الشيء. وضمن وضوح الرؤية حول القضية عند معظم الأطراف، لم تقدم قيادة حركة البناء الوطني الإسلامية موقفا من المبادرة. ربما تترقب دعوة من أصحاب الشأن للإفصاح عن رؤيتها للقضية، أو تفضل الترقب من بعيد بحكم أن الحزب فتي ومنشغل ببناء نفسه من الداخل. وإذا كان مقري يعتقد أن حزب المؤسس حسين آيت احمد لا يعرض شيئا جديدا، وبالتالي لا يرى جدوى من حضور ندوة للإجماع الوطني يرتقب أن تعقد يوما ما، فإن القيادي في نفس الحزب أبو جرة سلطاني يعتقد أن الأفافاس يملك من الرصيد التاريخي والمعنوي ما يؤهله لقيادة مبادرة سياسية تزحزح البلاد عن الشرخ الحاصل بين السلطة والمجتمع من جهة، وبين المعارضة وفئات الشعب من جهة ثانية.يلاحظ إذن أن اختلاف المقاربة حيال فكرة الأفافاس أصبحت بين القياديين داخل الحزب الواحد بعدما كانت في البداية بين أحزاب التيار الواحد. فهل يحتمل أن يكون ذلك من صنيع السلطة؟ بمعنى أنها استعانت بالأفافاس لترمي بفكرة ”التوافق” و ”الإجماع” إلى ساحة التداول، بهدف إحداث مزيد من التشتت في صفوف الإسلاميين، بعدما نجحت في ذلك بشأن الاستشارة حول تعديل الدستور؟ وهل يعقل أن الإسلاميين يشكلون خطرا على السلطة إلى درجة تدفعها إلى ابتكار خطط لإضعافهم؟الكاتب والمهتم بشؤون الحركات الإسلامية نذير مصمودي لـ ”الخبر” ”نرجسية بعض القيادات الإسلامية جعلتهم يرفضون مبادرة الأفافاس”لماذا رفض قطاع من الإسلاميين مبادرة الإجماع الوطني التي يطرحها الأفافاس رغم أنها في جوهرها دعوة للحوار والتوافق الذي يدعون إليه؟ أعتقد أن قطاع الإسلاميين الذي رفض مبادرة الأفافاس هو القطاع الذي مازال يعتقد أن له القدرة وحده على قيادة الحوار وجمع المكونات السياسية حوله والنجاح، وبالتالي في محاولة إيجاد منطق يخدمه في هذا الاتجاه. وإذا كنت تعني في هذا الموضوع حركة مجتمع السلم (حمس) تحديدا فإن الحقائق السياسية والاستحقاقات الانتخابية والانتشار التنظيمي لهذه الحركة أصبح يؤكد يوما بعد يوم أن حجمها الحقيقي الذي تراجع كثيرا لا يؤهلها إلى قيادة مبادرة كهذه. كما أعتبر أن هذا الرفض مازال في نظري مبنيا على شكوك وهواجس الاعتقاد بأن هناك صفقة ما أبرمها الأفافاس مع النظام. فضلا عن نرجسية بعض القيادات الإسلامية المتعالية عن أي مبادرة لا تأتي منهم هم، هذه العوامل من وجهة نظري دفعت بعض الأطراف الإسلامية إلى رفض مبادرة الأفافاس والإغراق في توهم أنها جاءت بعد صفقة مع النظام، رغم أنها مبادرة غير بعيدة عن مبادرتهم هم، بل تتقاطع معها في المحاور الجوهرية.هل توافق أبو جرة سلطاني عندما قال إن اتهام الأفافاس بعقد صفقة مع السلطة هو محاكمة للنوايا، في إشارة لرفضه لما جاء في بيان التنسيقية عن مبادرة الأفافاس؟ ما يعاب على الساحة السياسية والأحزاب عموما سياسة التشكيك والتقزيم التي تنتهجها الأحزاب ضد بعضها، بينما الأصل في العملية السياسية الناجحة هو الحوار والرأي والرأي المخالف. أما محاكمة النوايا والخلفيات فهو نوع من إقامة السدود والعوازل التي ترسخ القطيعة وتؤسس لممارسة الاستعلاء السياسي. المعارضون للأفافاس اليوم هم من كان يمدح بالأمس هذا الحزب ويمجّده ويحرص على إبراز قيمته وقامته السياسية. ما الذي جرى اليوم حتى يصبح هذا الحزب في نظرهم تابعا للسلطة أو أداة في يدها؟ إنها الأنانية السياسية.كيف ترى وضع عبد الله جاب الله شرطا أمام قادة الأفافاس الذين دعوه لمجرد لقاء بعدم الحديث عن مبادرتهم، وبالمقابل ترحيب مناصرة وسلطاني بلقائهم؟ الذي كنت أعرفه أنا أن الشيخ جاب الله كان الأقرب إلى الأفافاس وشريكا مع هذا الحزب في الكثير من المواقف، منذ 91 إلى لقاء روما إلى الموقف من انتخابات 95 إلى الانسحاب من رئاسيات 99 مع آيت أحمد. أظن أن رفض جاب الله لمبادرة الأفافاس ليس مرتبطا بهذا المسار التاريخي التقاربي بقدر ما هو مرتبط بأسباب أخرى ذكرتها في الإجابة عن سؤالك الأول. أما عن تجاوب أبو جرة ومناصرة، فأعتقد أنه نابع من ثقافة ومبادئ مدرسة نحناح التي تدعو إلى الحوار والتوافق والبناء المشترك للوطن بعيدا عن الخلافات الأيديولوجية.الجزائر: حاوره محمد سيدموالنائب عن جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف لـ ”الخبر” ”النظام بعد أن زور للأفافاس في التشريعيات يريد أن يركبه لتمديد عمره”لماذا تتحفظون كإسلاميين تؤمنون بالحوار على مبادرة الإجماع الوطني التي يطرحها الأفافاس؟ الأمر لا يتعلق بالإسلاميين تحديدا، فكل المعارضة المسؤولة تقف موقف الرفض لمبادرة الأفافاس، لأنها تنطلق من ضبابية لا يمكن إجلاؤها، وتأتي استمرارا لمواقف مريبة اتخذها الأفافاس منذ مدة. هذا الحزب غير خطه السياسي تماما باتجاه دفة السلطة، وهذا ما برز في دخوله الانتخابات التشريعية وقبوله إكراميات السلطة في بعض المقاعد، ولنا الأدلة الكافية أنه جرى التزوير له في قسنطينة والبرج والبويرة، فحصل على مقاعد لا يستحقها. وبعد ذلك لاحظنا أنه اتخذ من الرئاسيات التي قاطعناها ”لا موقف”، والآن يبدي عدم ممانعته في المشاركة بالحكومة، رغم أن النظام الذي عارضه طوال سنوات نضاله بقي هو نفسه النظام ولم يتغير.لكن مشروعكم أيضا لا يقصي السلطة من الانتقال الديمقراطي، فما الفرق بينكم وبين الأفافاس إذا؟ مبادرة الأفافاس تنطلق من الاعتراف بشرعية النظام والثقة فيه، وهذا جوهر الخلاف بيننا. نحن لا نثق في النظام ولا في بدائله لأن التجربة بينت أنه دائما يلتف لتمديد عمره. لا نجد عند النظام النية في تسوية الأزمة بسبب لجوئه المتكرر إلى المناورة والهروب إلى الأمام، لذلك يئسنا منه وتوجهنا إلى الشعب مع إصرارنا على الانتقال المتفاوض عليه مع السلطة، بحيث يكون الجيش هو الضامن، تجنيبا لبلادنا ويلات ما حدث في سوريا وليبيا وغيرهما. نحن نطمح لتوافق بين أبناء الشعب الجزائري وليس بين الأفافاس وعرابي النظام. ثم إن الأفافاس يطرح اليوم مبادرة الإجماع الوطني مع السلطة، ولكن المعروف أن في البلد سلطات وليس سلطة، فما هي هذه السلطة التي سيبنى الإجماع معها؟ ثم لم نسمع يوما أن الأفالان والأرندي صاروا سلطة في البلاد، الأصح أنهم عرابون للسلطة، فكيف يكون الإجماع الوطني معهم ذا قيمة؟لذلك نحن نرى أن هذه المبادرة تريد إنقاذ النظام مما يتخبط فيه من مأزق جراء فشله في إعداد الدستور التوافقي الذي وعد به، في مقابل ما ظهر من توحد للمعارضة على أرضية الانتقال الديمقراطي التي بادرت بها التنسيقية. هذا ما جعل النظام يحاول استعمال الأفافاس لتشتيت جهود المعارضة وتمييعها.أبو جرة سلطاني مثلا يرفض المنطلق الذي اتخذته التنسيقية في رفض مبادرة الأفافاس، ويعتبره تشكيكا في النوايا. ما رأيكم؟ أبو جرة اتخذ موقفا يتناقض مع موقف حزبه، وهو دائما يبدي مواقف كهذا متخفيا في عباءة الشيخ محفوظ نحناح وهو بريء منها. عودنا النظام أن يتخذ في كل مرة مركبة لتحقيق مآربه، وقد استعمل تاريخيا الأفالان، وإلى وقت قريب التحالف الرئاسي، ثم الآن انتهى إلى الأفافاس والإجماع الوطني، بعد أن استنفد كل الأوراق، لأن الأفافاس هو الحزب النظيف الوحيد الذي قبل تقديم هذه الخدمة.الجزائر: حاوره محمد سيدمو

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: