الصراع العربي- الإسرائيلي هو أحد أعقد الصراعات الموجودة في العالم المعاصر، وقد ثبت من خلال تطور هذا الصراع أنه شديد التأثر بالبيئة المحيطة به، ولم يكن لهذه القاعدة استثناء في أي وقت من الأوقات، وعطفا على ذلك فإن التحولات الإستراتيجية التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة قد أثرت بشكل مباشر على إدارة هذا الصراع، وحين نقول تحولات إستراتجية فإننا نقصد التحولات التالية:أولا- الصعود الشيعي: وهو المرتبط بالإستراتيجية الإقليمية الجديدة للجمهورية الإيرانية، والتي هدفت ابتداء إلى ملء الفراغ الذي خلفه الفشل الأمريكي في العراق، ثم تم التمدد في أهداف هذه الإستراتجية إلى أن أصبحت أكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط خاضعة للنفوذ الإيراني، إلى درجة تفكير الولايات المتحدة في التقارب مع إيران اعترافا بالمكانة الإقليمية لها، وقد انعكس هذا على الصراع العربي الإسرائيلي من حيث:- تغير طبيعة العدو المباشر في الإدراك الإسرائيلي من الدول العربية إلى الجمهورية الإيرانية.- أن التهديد المباشر للأمن القومي الإسرائيلي أصبح يأتي من حركات المقاومة المدعومة إيرانيا وليس من الجيوش العربية.- أن نموذج الدولة غير المستساغ إسرائيليا لم يعد هو نموذج الدولة القومية ولكن نموذج الدولة الإسلامية.- إعادة تشكيل إسرائيل تحالفات مع دول عربية لمواجهة الخطر الإيراني.ثانيا: التراجع الأمريكي: وهو ناتج عن مراجعة الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية عهدة باراك أوباما، والتي توجت باعتماد مبدأ القيادة من الخلف، والذي يعني ضرورة تعامل الولايات المتحدة مع قضايا هذه المنطقة بشكل غير مباشر، وقد انعكس ذلك على الصراع العربي الإسرائيلي بالشكل التالي:- تراجع التأثير الأمريكي في السلوك الإسرائيلي.- انخفاض درجة الوثوقية الإسرائيلية في الولاء للتحالف مع الولايات المتحدة.- بداية ملء الفراغ في المنطقة من قِبل قوى كبرى أخرى لها موقف مختلف من الدولة الإسرائيلية.ثالثا- الثورات العربية: والتي نتج عنها تحول دول الثورات إلى دول فاشلة أو على الأقل دول مستنفرة، وقد انعكس ذلك على الصراع العربي الإسرائيلي بالشكل التالي:- فقدان حركات المقاومة للعمق الاستراتيجي العربي.- أن الاهتمام الأساسي للجيوش العربية أصبح مواجهة فشل الدول وليس إدارة الصراع مع إسرائيل.- استغلال إسرائيل لمستوى العنف الذي مارسته النظم العربية في إدارة الثورات الداخلية.وبالمحصلة، فإن هذه التحولات الإستراتجية قد انعكست في شكل تبلور سلوك إسرائيلي جديد تحكمه الملامح التالية: إنه سلوك أكثر استقلالية بعد التحرر النسبي من التأثير الأمريكي، كما إنه أكثر ميلا للعنف استغلالا لمستوى العنف الممارس ضد المواطن العربي في دول الثورات، وأخيرا هو سلوك مضطرب نتيجة عدم القدرة على المزاوجة بين الردع الاستراتيجي لمواجهة إيران وبين الردع التكتيكي لمواجهة حركات المقاومة.
أستاذ الدراسات الأمنيةجامعة الجلفة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات