التقيت بمجموعة من مسؤولي بعض المؤسسات المختلفة المكلفين بالإعلام والاتصال وثلة من الصحافيين في دورة تدريبية حول الناطق الرسمي بدولة خليجية. تطرقنا خلالها إلى دور هذا الناطق ومهامه وأدوات عمله المتجددة في ظل تطور التكنولوجية الرقمية، وكيفية تسيير إدارته وأساليب عمله.
وقبل أن نختم الدورة، ناولني أحدهم وريقة كتب عليها بخط اليد: الرجاء طرح موضوع الرشوة في مهنة الصحافة، لأنها أصبحت عائقا أساسيا يواجه مهنة الناطق الرسمي. فاحترت كيف أطرح هذا الموضوع الحساس للنقاش، دون أن أُشعر أحدهم بالإحراج. فمجرد ذكر “الرشوة” في هذا المقام يُعد موقفا إن لم يكن اتهاما. فخاطبت المشاركين قائلا: اسمحوا لي يا جماعة، زميلكم في القاعة يريد أن يناقشكم في موضوع حساس أزعجه. واعتبره مشكلا يعيقه أداء المهام التي ذكرناها في هذه الدورة. وطلبت من الشخص المعني التدخل لعرضه، فحدثهم قائلا: يا جماعة الخير، إن الغاية من نشاطنا كمسؤولين على الإعلام أو صحافيين، هو تحسين العلاقة بيننا وتفعيلها لفائدة الجميع، فالمؤسسة بحاجة إلى تنظيم علاقتها بالصحافة وتوحيد لغتها وتحسين صورتها، والصحافيون بحاجة إلى المساعدة للوصول إلى مصدر الأخبار والمعلومات بيسر، وسرعة الرد على استفساراتهم وأسئلتهم. لكنني لاحظت أن علاقتنا بالصحافيين تزداد تعقدا، فيكفي أن “تكرم” أحدهم حتى تفتح عليك أبوابا لا تستطيع سدها. فغيره يريد “إكرامية” أكثر من الأول، بل إن الأمر وصل إلى حد الابتزاز. فلا يأتيك أي صحافي إلى الندوة الصحفية التي تعقدها دون أن تكون “كريما” معه. ولا ينشر أي خبر عن مؤسستك دون “إكرامية”. تأفف أحد المشاركين في الدورة من حديث المتدخل وقال: معذرة يا جماعة، كل ما سمعناه هو مجرد ادعاء، فلا أحد يملك الدليل على ما يقول، فالنيل من الصحافة يبدأ في الغالب بتشويه سمعة الصحافيين، وهذا لا ينفي وجود بعض ذوي النفوس الضعيفة في أوساط الصحافيين. وأردف صحافي آخر قائلا: أعتقد أن في الأمر نوعا من المبالغة والتضخيم. كل ما في الأمر أن مسؤولي الإعلام في بعض المؤسسات يقدمون للصحافيين محافظ جلدية تتضمن مطويات أو نشريات إعلامية أو إشهارية لمؤسستهم تارة، وطورا أقلاما أو “فلاش ميموري”، “الذاكرة الخاطفة” و “آيباد”- لوح رقمي في أقصى الحالات. ويمكن اعتبار مثل هذه الأشياء البسيطة هدايا. والهدية لا ترد كما يقال، لكنها ليست بكل تأكيد حقا من حقوق الصحافي، والصحافي لا يلام إن اعتبرها حقا، فمن عوده عليها هو الذي يلام. فرد أحد المسؤولين عن الإعلام في مؤسسة خاصة كبرى على المتدخل الأخير قائلا: أنا أتفهم جيدا وضع الصحافيين، فمعظمهم من ذوي الرواتب الضعيفة. ولا أرى مانعا من مساعدتهم في تحسين وضعهم المعيشي جراء الكتابة عن مؤسستي، فلا شيء يمنح مجانا هذه الأيام!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات