“الماضي يصنع الحاضر”، قاسم مشترك بين وزيري الثقافة والتربية الأسبقين، لمين بشيشي وزهور ونيسي، فالتاريخ ليس أحداثا قديمة نتذكرها حينا وننساها آخر، بل هي تراكمية نستنبط منها العبر لصناعة الحاضر، وهو ما يفقد شباب اليوم الشعور بانتمائهم لوطنهم.لم يخف المجاهد لمين بشيشي في منتدى الذاكرة الذي نظمته مديرية الأمن الوطني بمدرسة الشرطة علي تونسي بشاطوناف، مؤخرا، “حسرته لانهيار قيم الانتماء إلى الوطن لدى شباب اليوم، واختزال الوطنية في لعبة كرة القدم، حيث لا يتجلى ارتباط الشباب بالراية وألوانها إلا في المناسبات الكروية، بل وصل بهم الأمر إلى استبدال عبارات أغانينا الرياضية القديمة بأخرى أجنبية مستوردة ومقتبسة من أسماء الرياضيين الغربيين”.مرد الانهيار، حسب بشيشي، هو “فشل منظومة التربية في تنشئة جيل مشبع بقيم الثقافة والأدب اللذين لعبا دورا كبيرا في تحرير الجزائر من براثن الاستعمار وانتشال الأهالي من سطوة الجهل الذي سلطته فرنسا الاستعمارية، رغم ما مورس عليهم من تعذيب لإسكات صوتهم”. وضعية الجزائر، حاليا، شبهها المتحدث بالذي يسبح في المحيط الأطلسي، قائلا “إنه رغم ما تحقق من إنجازات منذ 60 سنة استقلال، إلا أننا مازلنا بعيدين عن المبتغى بالنظر إلى أن الكثير من الدول كانت على نفس الخط مع الجزائر، لكنها اليوم قطعت أشواطا كبيرة كالفيتنام وماليزيا وكوريا الجنوبية”. وفي السياق نفسه، انتقد المتحدث نوعية الدروس المقترحة في البرنامج الدراسي وخلوها من نصوص أدبية ثقيلة تساهم في صقل شخصيتهم وفق قيم الوطنية الحقيقية. ودحض المحاضر ما يتداول لدى الكثيرين بأن الاستعمار أتى بالحضارة وشيّد عمرانا حضاريا خلال فترة احتلاله، قائلا “إن الاستعمار كان ضد الطبيعة البشرية.. مارس علينا سياسة التجهيل والتنصير لطمس هويتنا، أما بشأن البنايات فشُيّدت بسواعد جزائرية، بل حتى جسور باريس الجميلة وبعض عمرانها، حيث تم نفيهم بعدها إلى الحافة الأخرى من الأرض بكاليدونيا الجديدة”. وعن مدى ارتباط شباب اليوم بماضيهم، وإمكانية الاستفادة منه حاضرا ومستقبلا، قالت زهور ونيسي، الوزيرة السابقة والأديبة، إن “الجيل الحالي هو جيل الحقوق يطالب ولا يمنح، يأخذ ولا يقدم، تناسى أن الحقوق تولد من تأدية الواجب، وهو السلوك الذي يفتقر إليه شبابنا”. وتوقفت الوزيرة السابقة الأديبة زهور ونيسي، عند معاناة الأدباء والمثقفين الجزائريين بعد رفضهم الانحناء للمستعمر، ومواجهته بالقلم الذي أحرجه ودفعه إلى تسليط عليهم كل أنواع التعذيب، لثنيهم عن تحرير عقول الجماهير من القيود المعنوية التي فرضتها فرنسا.تاريخنا وصراعات الزعامةالانتقامات والتصفيات الجسدية التي أفرزتها صراعات القادة حول السلطة، كانت الجراح التي فتحها بشيشي مجددا محاولا علاجها بتبسيطها، على أساس أن الثورة لم يقم بها الملائكة بل بشر مرشحون للخطأ في أي لحظة، وعليه اتسمت تلك الحقبة وما بعدها بالأطماع والأحقاد الناجمة عن الطموح المفرط إلى السلطة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات