“في الحضارة، وفي الإيديولوجيا”.. نصوص لبن نبي تنشر لأول مرة

+ -

جاء كتاب “في الحضارة وفي الإيديولوجيا (نصوص غير معروفة)” للمفكر الجزائري مالك بن نبي، ترجمة وتقديم وتعليق الأستاذ محمد بغداد باي، والصادر عن دار “عالم الأفكار”، ليُلبّي لدى القارئ حاجة ما فتئت تتزايد مع الاتّساع المطّرد لدائرة حضور رائد النهضة الفكرية “مالك بن نبي” شرقًا وغربًا، وذلك منذ تسعينيات القرن المنصرم. يتناول الكتاب محاضرتين وخطابين للمفكر مالك بن نبي لم ينشرَا من قبل، فأمّا المحاضرتان فتعود الأولى إلى سنة 1968م، والثانية إلى سنة 1972م، وأمّا الخطابان فقد وُقِّعَا سنة 1960م. حيث حملت المحاضرة الأولى عنوان “في الحضارة” الّتي ألقاها المرحوم بثانوية عمارة رشيد بالجزائر العاصمة، بمناسبة انعقاد الملتقى الأوّل للتعرّف على الفكر الإسلامي الّذي تولّت الإشراف على تنظيمه وزارة الأوقاف، من 25 ديسمبر 1968م  إلى غاية الفاتح من يناير 1969م. وتعدّ هذه المحاضرة أولى المحاضرات الّتي دشّنت لفكرة الملتقى الّتي تواصلت لعدّة عقود. وبالنسبة للمحاضرة الثانية “في الإيديولوجيا” الّتي ألقاها قبل أشهر من رحيله رحمه اللّه، وقد أبدى فيها خوفه من تضييع الاستقلال، وذلك بتحييد الثّورة عن مسارها الأصلي، الممتدة جذورها إلى مقاومة الأب الروحي للدّولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، والعبث بنضال شعب عانى الأمرين، وهذا كلّه من خلال تضارب الأفكار وفقدان الحكمة في رسم الأولويات وفق الإمكانيات وعدم التّشبث بخطّ سير واضح يعبّر عن تطلّعات هذا الشعب المكافح.ويعتقد الباحث بغداد باي بأنّ الخطّابين وضعهما مالك بن نبي في الأصل باللغة الفرنسية ثمّ عرّبَا فيما بعد، فالأوّل منهما وجّهه إلى وزير الشؤون الخارجية للحكومة الجزائرية المؤقتة بالقاهرة، كريم بلقاسم، بتاريخ 11 أبريل 1960م، بينما الثاني وجّهه إلى ممثل “جمعية إسلام” بعمان الأردنية، بتاريخ الفاتح من شهر فبراير من سنة 1960م.وأكّد المترجم في مقدمة الكتاب أنّ الخطابان يَصبّان في دائرة ما أسماه مالك بن نبي بـ”الصّراع الفكري” القائم على الأساليب الخفيّة الخبيثة. مشيرًا إلى أنّه وبالعودة إلى هذين الخطابين اليوم لا تخلو من دعوة إلى تمعّنهما لغرض قراءة الحاضر (المشهد العربي والإسلامي) انطلاقًا من الوقوف على حقيقة طبيعة الصّراع الإيديولوجي الّتي أبان عنها ونبّه إليها مالك بن نبي منذ وقت ليس بالقريب. وشدّد على أنّ ما يُطلَق عليه اليوم اسم “الثّورات العربية” في حاجة إلى التّعامل الجدّي مع فكر مالك بن نبي، إذا ما أرادت هذه الثّورات أن تحبط ما حيك وما يُحاك ضدّها من مخطّطات هدفها تعفين الأوضاع واستدامة حالتها والحيلولة دون بلوغ هذه الثّورات مراميها ومقاصدها.وتعكس المحاضرتان، يضيف المترجم، تجربة عميقة وناضجة صقلتها الأيّام بأحداثها وظروفها ومحنها ومواقفها، لتجربة كاتب ملتزم آمن بقضيّة وطنه وأمّته فنذر حياته وفكره خدمة لها، كاتب تفرَّد برؤيته للأمور فتميّز عن غيره ممّن سبقه أو عاصره إن على مستوى الطّرح أو على مستوى المنهج أو على مستوى الحلول المقدّمة وأولوياتها الاستراتيجية.وقد راعى الباحث في ترجمته لهاتين المحاضرتين، اللّتين تحصّلا عليهما مسموعتين وليسا مكتوبتين، عدّة أسباب، مستعينًا بفكر مالك بن نبي وتماسكه في منطلقاته وبناءاته ومراميه. كما لم يكتف بالترجمة وحسب، بل قام بتذليل النّص المترجم بهوامش وتعاليق للتّدليل على راهنيّة الطّرح وأهميّته في مقاربة مستجدّات هذا الواقع وقدرته على قراءتها واستيعابها.وألحق المترجم بالخطاب الّذي وجّهه المفكّر مالك بن نبي إلى “جمعية إسلام” وثائق بالغة الأهميّة صادرة عن أرشيف المخابرات الفرنسية، متعلّقة بشخصيات بارزة في هذه الجمعية الّتي كانت تعمل لغير صالح الجمعية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: