إن النقد الفني بالمعنى المسؤول للكلمة، لا يتعين بطرح أسئلة صعبة أو بعرض بضاعة نظرية تروّج حينا وتكسد أحيانا، بل يتعين ببحثه عن فضاء فعال وإنتاج حيوي يلعب دورا هاما في التحويل الاجتماعي والسياسي ولو قليلا. وهذا نادر جدا في الجزائر، لأنه لا يوجد فيها نقد وإنما هنالك بعض النقاد الجيدين قد أسسوا لأنفسهم فضاء معقولا وتحليلا جديا، له صلة واضحة بالنقد الجامعي خاصة أنه لا يوجد مجلات تهتم بمختلف الفنون لتفتح الطريق للمستهلك حتى يجد سبيلا لما يحنّ إليه من إبداع جدي ومتين.ومهما كان شكل النقد، فإنه يدور بين طرفين من أجل الوصول إلى وضوح مشترك وبلورة مقنعة يشارك في صياغتها الطرف الأول (الناقد) والطرف الثاني (المستهلك)، وهدا ما يجعل الحوار يتجاوز ذاتية المتحاورين ويفيض عنها، من خلال موضوعية معقولة تحاول كبت النرجسية والمحاباة مثلا، ذلك أن الواقع الموضوعي المطلوب تحويله هو الوحيد الذي يفرض صياغة الأسئلة والتنقيب عن إجابتها، وفي الركون إلى الواقع الجزائري (ثم المغاربي ثم العربي) الذي نعيش والمتصف برداءته، خاصة أن المطلوب هو عدم ممارسة النقد الفني كسباحة بين محاسن التقنيات ولطائف الصياغات، كوسيلة قلقة ومقلقة لأن الواقع الاجتماعي والسياسي يعاني من خلل رهيب واضطرابات عشوائية تجعل المواطن يشعر بالعزلة، لذا يجب أن نضع النقد الفني كلحظة من لحظات المقاربة السياسية، خاصة أن هذا النقد كثيرا ما يجد نفسه محاصرا بالسياسة والذي يبدو قلقا لأنه يفتش عن جديد يقترب من الواقع المعاش ويبتعد عنه، كذلك حتى لا يسقط في فخ النزعات الشكلية الجاهزة التي تؤذي الواقع الموضوعي باسم إبداع لا واقع له.وهكذا نبتعد عن الشكليات الميكانيكية والأخلاقية ونجعل المستهلك يغوص في مياه الخلق والابتعاد عن التحريض الساذج والتفاؤل البسيط وأحكام العقل الكسول الممزوج بالتطير واللاعقل، لأن الإبداع هو بحث عن الحلم المفقود ونحن مجتمع غير ثابت وغير مستقر يعاني من التخلف المادي ومن التخلف الذهني اللذين لا يساعدان على خرق الفضاء الخيالي الذي يجهل الحدود والانحصارات التي هي بعيدة كل البعد عن اليقين الصادق والغبطة المكتملة، حينئذ تصبح صداقة الشك صفة كل مبدع، خاصة أن الإبداع هو صورة للشك ودرب إلى الحقيقة التي تفتح الطريق إلى الجديد والعصرنة والحدثنة دون قيود.ولعل هذا التحديد للإبداع يضع الإصبع على الجرح الأساسي ويخرج المستهلك الذي يريد من الإبداع “شيئا” سياسيا توجيهيا يلعب دور النقيض بالنسبة للعمل السياسي اليومي والميداني وبالنسبة للنضال من أجل أفكاره ومواجهة المخاطر التي تنتظره، من خلال السلطة الداخلية (النظام) والسلطة الخارجية (الهيمنة الأمبريالية التي يقودها الغرب المتغطرس).ذلك أن المبدع والمستهلك للإبداع لا يمكنهما الإفلات من العمل السياسي المباشر، بحجة أنهما مهتمان ومنهمكان في الممارسة الإبداعية صاعدا (الفنان) ونازلا (العاشق الهاوي للفنون). وقد طرح هذا الإشكال عدة مرات، من خلال تجمعات وجمعيات كثيرا ما فشلت في مساعيها وأحبطت في محاولاتها!إلى متى؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات