لولا استشعاري الخطر الداهم للمدرسة الابتدائية ما تجرأت على الكتابة في موضوع لا أملك فيه كل أدوات الوصف والتحليل. كل المنظومات التربوية تركز كثيرا على التقييم والمتابعة والرقابة والتأطير والتكوين لتفعيل منتوجها، وكل آلية مما ذكر ضرورية للضبط والتوجيه وحسن التسيير والنمو المستمر لمؤشرات الإنتاج والجودة. هذه المهام توكل عادة لمديري المؤسسات التربوية ولهيئة التفتيش.ما يهمني في هذا المقال هو جهاز المراقبة والتفتيش لتوليه ترقية الأداء التربوي ومتابعة مسالك النجاح، خاصة ما تعلق بتنفيذ المناهج وتقييمها وتحيينها وكذا تحسين فعل التدريس وفعل التّعلم والرفع من مؤشرات التحصيل (الاكتساب) الدراسي. الجديد هذه السنة الدراسية يتمثل في تخصيص مفتش لإدارة المدرسة الابتدائية، على شاكلة مفتش إدارة المتوسطات والثانويات. فهل لهذه الخرجة الجديدة قيمة مضافة لهيئة التفتيش في التعليم الابتدائي، أم هي مجرد عملية فرز إن غاب عنه التنسيق سيأتي على ما تبقى من مكاسب المدرسة الابتدائية؟نظريا، وللوهلة الأولى نقف على حقيقة طالما اشتكى منها مفتش التعليم الابتدائي وهي كثرة المهام والأعمال وتعدد الاختصاصات، وهذا “الجديد” جاء ليعطي الفعل التربوي البيداغوجي التعليمي اهتماما خاصا يخلص إلى الهدف الأكبر: الارتقاء بجودة التدريس. هو جديد قد يسهم في تحسين المنتوج، وقد تنحرف التجربة عن مسارها المحدد لها نظريا لتنزلق إلى مخاطر غير محسوبة العواقب.إن استحداث مفتش إدارة الابتدائيات ليخفف العبء عن مفتش البيداغوجيا (المواد) كما يبدو لأول وهلة فكرة مقبولة، لكنها بمعطيات الواقع المعيش صعبة التحقيق، ولا نريد استعجال الحكم لنقول إن ضررها أكبر من نفعها.إن تحديد المهام واقتسامها بين المفتش الإداري والبيداغوجي (المواد) لن يكون سهلا على أرض الواقع خاصة ونحن نعايش واقع التنسيق، الأمر يحتاج إلى تكوين نوعي وإلى إجراءات ضابطة وإلى مرافقة هادفة (الواقع شيء والتنظير شيء آخر). ثم هل طالب مفتشو التعليم الابتدائي بإضافة مفتش مكلف بالإدارة، أم طالبوا بتثمين جهدهم في ظل الإصلاحات؟ إننا نخشى تمزيق وحدة المدرسة الابتدائية.يبدو أن قناعة أصحاب القرار هي إعطاء الفعل البيداغوجي ما يستحق من اهتمام وتفعيل كـ:1- حفز ودعم التفتيش البيداغوجي وتثمين جهوده وتأكيد دوره في تنمية جودة التدريس والتعلّمات ونجاعة المدرسة الابتدائية بصفة عامة.2- التأسيس لفكرة تطوير مهام التفتيش للوصول إلى الاحترافية.3- التكيّف مع واقع متطلبات الإصلاح ومستجداته، ومع تقييم المهام والاختيارات لمعرفة مدى فعالية الإجراءات المتخذة.4- تمكين هيئة التفتيش من ممارسة أكثر عمقا للفعل التكويني وللبحث التربوي.5- استكمال تنظيم مهام المفتش وتدقيقها في إطار مرجعي لكفاءات محددة (كفاءات معرفية، منهجية، تقييمية تأطيرية، تواصلية، قيمية..).6- رفع نسبة ونوعية المراقبة والتقييم التربوي للمدرّس وتفعيل التربية التحضيرية، التعليم المكيف..لو تفحصنا كل هذا في واقع التكوين الأولي للمفتش في دفعاته الأخيرة نرى جليا أن الوضع ليس بالسهل ضبط ملمحه، وليس في متناول العينة المقصودة إنجاز كل المهام لقد توقف التكوين الإقامي منذ سنوات ومعه توقفت الكثير من مهارات التفتيش. ليت البحث التربوي يعطينا صورة لهذا الواقع وتجلياته.وبالمناسبة، نرى ضرورة الإلحاح على مركز خاص بتكوين المفتش وأحدد ما أقول: للمفتش وحده يعطى فيه تكوين بمعايير دولية لأنه محرّك الفعل التربوي وضامن نجاعته. أما التكوين أثناء الخدمة فالمطلوب استنفاذ الجهد في دعم التكوين الذاتي الهادف، من أين للمفتش أن يكون قائدا تربويا واحتياجاته التكوينية غير متكفل بها.لمقاربة واقع الظروف التي يمارس فيها التفتيش، نرى أن الظروف البيداغوجية لا تشجع العناصر ذات الكفاءة منها، مثلا تقرير التفتيش الذي فقد بريقه بل قيمته، أنه اهتزاز واضح للتقييم التربوي إلى متى العمل بوثيقة حاول المجدون على قلتهم زرع الحياة فيها دون جدوى؟ أين شبكات التقييم الموضوعية التي تواكب المقاربة المعتمدة تعالج وتنقد وتصور الواقع بكل شموليته؟- التنسيق الذي لمع بريقه سنوات دراسية محدودة، أين أثره حاليا؟ أين أهدافه؟ أين تبادل الخبرات والتجارب؟- البحث التربوي التطبيقي (الطولي) يكاد ينعدم (أين المفتش المتميّز وأين البحث المتّميز محليا ووطنيا).- محدودية استغلال منتوج جهاز المراقبة والتفتيش على تواضعه ومنه أين الإجراءات الداعمة للإصلاح؟ (التدخلات التصحيّحية والعلاجية على المستوى المحلي والوطني).واقع تقويم أعمال مفتش التعليم الابتدائي حاليا:غياب آلية واضحة موضوعية لمتابعة وتقويم أعمال المفتش.التركيز حاليا على معايير كمية: أعداد الزيارات والنّدوات، لا تستند لتقدير النتائج والأنشطة وقياس أثر التفتيش على التّدريس والتّعلم (المهام المتعاقد حولها).أين مجال ترقية المفتش الكفء، المبدع؟ كيف يساهم هذا المتمّيز في ترقية جودة التدريس وإنجاح أي إصلاح بيداغوجي خاصة؟من الاقتراحات:1- تدقيق المهام وكذا كفاءات المفتش وتطويرها في ضوء المرجعيات التشريعية والتنظيمية والبيداغوجية والتكوينية.2- توضيح الرؤية حول التنسيق (المفترض وجوده بين المفتش البيداغوجي (المواد) ومفتش إدارة المدارس الابتدائية) للرفع من جودة التدريس والتّعلّمات وتجاوز الجوانب الشكلية (إن فلتت منا هذه الفرصة فالمدرسة الجزائرية مهددة فعلا في الصميم).3- لا حاجة لتفتيش لا يمكّن الإدارة الوصية والمدرسة نفسها من نظرة واضحة على واقع العملية التربوية والبيداغوجية والتعليمية وتشخيص الصعوبات التي تعترض التدريس والتعلّمات بهدف الإسهام في تحسين مؤشرات الجودة بها. (حاليا عموميات لا ترقى إلى إجراءات عملية).4- لماذا تراوح المدرسة نفسها في مجال التسيير الإداري والتربوي هذا إن لم تقل تتراجع؟ من يفعّل عمليا لا قولا؟ من يحاسب على الوضعية الحالية؟5- قضية المدرسة الحضرية والمدرسة الريفية متى تطرح؟ ومن له حق التدخل ودراسة واقع كل واحدة على حدة؟6- جودة التعلّمات هل تمثلها شهادة نهاية مرحلة التعليم الابتدائي فقط؟7- نوعية التأطير الأخير: هل له القدرة الكافية على التقييم (تقييم المؤسسات المساءلة، المحاسبة، التحفيز، التكوين...).8- المستجدات كثيرة ولكن عيبها أن الكلام عنها ينتهي بعد وصول المنشورات الخاصة بها وإن عاشت بعض الشهور فهي محظوظة. وقس على هذا مراقبة سير عمليات التدريس والتعلّمات، تنفيذ المناهج ومدى ملاءمتها للأهداف المسطرة الوسائل التعليمية المتعمدة أو المضافة من باب إنجازها للضرورة، العلاقة البيداغوجية تسيير الوقت، الاختبارات..9- تقويم أعمال المفتش لترسيخ المسؤولية والمحاسبة لتحقيق الجودة.10- تفعيل الاستشارة كأفراد وكمؤسسات وهيئات وتقديم الخبرة والرأي في المجال التربوي عامة وما له علاقة بالتخصص لمواكبة المستجدات. وعلى ضوء هذا المنتوج تكون الاقتراحات لتولي التنسيق أو مهام أخرى بمديرية التربية.وأخيرا مراجعة مهنة التفتيش ضرورة المرحلة للوصول إلى الجودة والاستثمار في هذه المهنة التي هي رافد أساس ورافعة قوية لبناء مدرسة جزائرية بمعايير عالمية (بيداغوجيا) وكل الحذر من المسابقات المغشوشة التي يطرد فيها الرديء الجيد[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات