التوبيخات والإنذارات واللوم الشديد يوجه من المسؤولين لمن عجز عن التنبؤ بالكوارث والأحداث السياسية الخطيرة، وجعل عنصر المفاجأة يربك صانع القرار، ويدخله في حالة من انعدام التزامن بين إيقاع الأحداث والزمن الاجتماعي، وكذا الزمن السياسي في مرحلة بات فيها الاجتماعي يغلب بقوة على السياسي.
أجل، لقد حل عهد الخبراء وولى عهد المخابرات، لأسباب تعود إلى عدم استيعابها وإدراك أجهزتها للتعقيد الشديد الذي باتت تتسم به التفاعلات المتسارعة للظواهر السياسية والاجتماعية، وما أدت إليه من تحول في المفهوم التقليدي للأمن إلى مفهوم أكثر تركيبا جعل المخابر تحل محل الاستخبارات، كما جعل مراكز البحوث تأخذ مكان مراكز المباحث، فالمخابر العلمية والمعرفية التي تعني المعامل الخاصة برصد الظواهر في أبعادها السياسية والاقتصادية، انطلاقا من خلفيتها الاجتماعية والسيكولوجية، من خلال مقاربتها انطلاقا من مسلمة التعقيد، حيث يجري بحث الظاهرة ومتابعتها في صيرورتها وحركيتها الخاضعة للنظام الشبكي الأفقي المتدفق والمتسارع بدلا عن الهيراركي العمودي التقليدي البطيء، ومن ثم أصبح أولى بالمؤسسات التنفيذية أن تكون لصيقة بالمخابر ومراكز التفكير والبحوث، من أن تكون محصنة بالثكنات العسكرية والأجهزة الأمنية، فالتحولات اليوم يرصدها العلماء الأكاديميون والخبراء المتخصصون الذين يسجلون ملاحظاتهم التي يسترشد بها صانع القرار، أكثر ما يمكن أن يفيدهم رجل الأمن والاستخبارات الذي بات في عصر الانفجار المعرفي وعهد التعقيد قاصرا تماما عن استيعاب تلك التغيرات الطارئة على الظواهر الاجتماعية ومساراتها الجديدة. فالمخابرات مهما امتد مجال الرؤية عندها وقويت درجة التنصت لديها ومهما ارتفع مستوى تقنية أجهزة رصدها وما تتضمنه من تكنولوجيا عالية، ومهما بلغت حزم المعلومات التي تصلها عبر الأقمار الصناعية، فإن الواقع المعرفي يؤكد بأن أجهزة الرصد الفعلية تكمن في المادة الرمادية وأدمغة العلماء وليس عند المخابرات بالمفهوم التقليدي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات