قراءة كرونولوجيا السينما الوثائقية بالجزائر وتقصّي الزخم الوثائقي الهائل الذي أنتجه الجزائريون، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، يقف بنا أمام نتيجة واحدة مفادها أن حجم ما أنتجته السينما الوثائقية قليل جدا بالنظر لما نشاهده عند الدول المجاورة، ويعود هذا بالأساس لظروف عدة، منها عدم الاكتراث بأهمية الوثائقيات في صناعة المستقبل مقارنة بالسينما التمثيلية التي أولتها الدولة عناية كبيرة، بتأسيس مراكز وهيئات عليا لشؤون السينما، إضافة إلى أن الرعيل الأول من السينمائيين الجزائريين توجهوا للسينما أكثر من اهتمامهم بالوثائقيات، وذلك من أجل مواكبة المعطى السياسي والاجتماعي للجزائر آنذاك. وقد كانت المادة الأساسية الأولى للسينما والسينما الوثائقية “الثورة المجيدة” التي تدور في فلكها كل الأفلام سواء بتناول الحرب وما حدث فيها، أو تناول انعكاسات الحرب على الجزائريين بعد الاستقلال سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، ولحد اليوم مازالت الثورة تشكل أفكار المنتجين في الوثائقيات خصوصا. ولكن المتابع لما ينتج من أفلام وثائقية يخلص إلى نتيجة مفادها أن فلسفة صناعة الوثائقيات في الجزائر لم تخرج عن المدرسة التي درج عليها الرعيل الأول وتشكل وفقها فهمهم في الصناعة، على الرغم من أن فضاء الوثائقيات انفتح أمامنا منذ عصر ما بعد الفضائيات، وتعددت المدارس التي يمكن أن نستفيد منها، إضافة إلى أن أعمالنا الوثائقية لم ترق لحد اليوم في الصناعة إلى مفهوم السينما الوثائقية، حيث يمكن أن نستفيد مما تتيحه السينما من خاصيات في إنتاج وثائقياتنا، ونسجل في هذا الخضم التجربة الجديدة لموثقين جزائريين أثروا التجربة الوثائقية الحديثة برؤى جديدة ووجدوا في فضاءات خارجية ومهرجانات متنفسا لتصدير التجربة الجزائرية.وإذا ما عدنا إلى المواضيع التاريخية التي تعد المادة الدسمة للإنتاج فما يلاحظ هو أننا ندور في مواضيع تكاد تكون مكررة ومستهلكة إلا ما ندر ولم نستطع تجاوزها إلى مواضيع أخرى أدق وأعمق، لأن الثورة التحريرية لم تكن جيشا ومعارك وشخصيات معروفة فقط، بل هي أكبر من ذلك، وكل جزء منها وفيها يجب أن يكون مادة لفيلم وثائقي كبير؛ بالنسبة لي الأشياء الجميلة نجدها في القصص البسيطة.لقد رصدت الدولة غداة الاحتفال بخمسينية الثورة وكذا تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية وستينية الاستقلال مبالغ خيالية وباهظة للإنتاج السينمائي والوثائقي، الأمر الذي يساهم في معالجة عديد المواضيع، خصوصا المتعلقة بتاريخ الجزائر منها، وهو أمر أكثر من رائع، ولكن التعاطي مع أحقية من يستفيد من الدعم المالي للإنتاج تخضع في رأيي لمقاييس غير موضوعية، حيث ينال المكرسون في الميدان الدعم المادي اللازم لإنتاج ما يشاءون، حتى وإن كانت موضوعاتهم لا ترتق أحيانا لأفكار أخرى يتقدم بها سينمائيون شباب، فالكيل بمكيالين في توزيع الحصص المالية سيكون له تأثير سلبي على الإنتاج السينمائي والوثائقي في الجزائر، حيث يؤدي بوأد الكثير من الأفكار لدى شباب اليوم الذي يحلم بأن يقدم لوطنه عملا جميلا يقترب كثيرا مما قدمه سلفه ممن أسس السينما الجزائرية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات