38serv

+ -

 من أعجب الأمور أنّ زعامة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يرتضها فحسب المهاجرون والأنصار من الأوس والخزرج الّذين فشَا فيهم الإسلام، وذلك أمر طبيعي، بل ارتضاها أيضًا اليهود. وقد تكفّل لهم هذا “الدستور” بحريتهم الدّينية وجعلهم حلفاء للمسلمين، يحاربون من يحاربونهم، ويسالمون من يسالمونهم، ويحتكمون إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في كلّ حدث أو شجار يخاف فساده.وفتح الطّريق للرّاغبين منهم في الإسلام وكفل لهم التمتّع بما للمسلمين من حقوق، ولكن سرعان ما انقلبوا على أعقابهم فأصبحوا يتحالفون مع المُشركين ويتربّصون الدّوائر بأهل الإيمان، الأمر الّذي أدّى بهم إلى أن يخرّبوا بيوتهم بأيديهم وأيدي المومنين، وإلى أن يطردوا مدحورين من كلّ رحاب المدينة المنوّرة جزاء نقضهم للعهود والمواثيق كما هو دأبهم على مرّ الأجيال.وإلى هذا الخزي يشير القرآن الكريم بقوله في سورة الحشر: {ولَوْلَا أنْ كَتَبَ اللّه عليهِمُ الجَلاءَ لَعَذَّبَهُم في الدُّنيا ولهُم في الآخرَةِ عذابُ النّار ذلك بأنّهم شَاقُوا اللّه ورسولَه ومَن يُشَاقّ اللّه فإنّ اللّه شديدُ الْعقابِ} الحشر:3-4.وهكذا أوجد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم السلطة العامة الّتي لم تعرفها العرب من قبل، وأنشأ الدولة الّتي تجمّع في حضنها المسلمين وغير المسلمين، وتضمن لهم حرية العقيدة وكرامة الحياة، وحرمة الجوار، وحقّ الأخوة والتّناصر.وقد مضى الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هذا في توسيع رقعة الدولة بنشر الدّعوة في جزيرة العرب وما وراء الجزيرة. وقد استطاع عليه الصّلاة والسّلام خلال سنوات قليلة أن يوحِّد كلّ عرب الجزيرة ويدخلهم في الإسلام. وأمّا أهل الكتاب فقد أقرّهم على دينهم وفق المبدأ القرآني {لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.. على أن يؤدّوا للدولة الفتية جزية على شكل ضريبة من أجل حماية نفوسهم وأموالهم.. ولولا غدرهم كما قُلنا لمَا أخرجَهُم الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم من أملاكهم وجنّاتهم. ولو امتدت حياته صلّى اللّه عليه وسلّم لتمّت على يديه كلّ الفتوحات العظيمة الّتي قام بها خلفاؤه من بعده..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: