” lorsque les mots perdent de leur sens l’homme perd de sa liberté” «عندما تفقد الكلمات معانيها يفقد الإنسان من حريته” هكذا قدّر كونفوشيوس. الكلمات في حياتنا السياسية تعاني من ضياع المعنىle sens ؟ فمصطلح السياسة مثلا ظل مجرد تعبير فضفاض لا يحمل معنى محدد، لأن السياسة ظلت لصيقة بممارسة السلطة ولم تكن يوما وسيلة لممارسة الحرية.اليوم الكلمات الأكثر تداولا في وسائل الإعلام وفي تصريحات وبيانات بعض الأحزاب والشخصيات لا تحمل المعاني نفسها عند مختلف الأطراف.الرئيس، المرض، السلطة، الانسداد، الشغور، كلها كلمات لا اتفاق ولا توافق على معانيها أو أن هناك من يعمل عمدا على بث فوضى المعنى.الدولة، السلطة، الحكم، الحكومة، نستعملها، سواء في الخطاب السياسي أو في المفهوم القانوني، بمعاني مشوّهة مغرضة أحيانا. وكثيرا ما يتم الخلط، عمدا أو جهلا، بين هذه المصطلحات. فالسلطة تصبح هي الدولة والسلطة هي السلطة التنفيذية فقط والحكم هو النظام كله وهلمّ جرا.الانتخابات، التزوير، التمثيل، الحرية، الديمقراطية، الاستقرار، الأمن، كلها هي الأخرى كلمات تستخدم في سياق ”خطاب التبرير” وليس في أي سياق معرفي أو حتى في سياق التزام سياسي قانوني.الدستور، المؤسسات، لا معنى لهما لأن الدستور مجرد تعبير عن حالة ظرفية من حالات السلطة، لم يكن يوما تعاقدا اجتماعيا سياسيا على طبيعة النظام السياسي وعلى آليات اتخاذ القرار وعلى الحقوق والواجبات وعلى الضوابط التي تحكم عمل السلطة. أما المؤسسات فهي مجرد تعبير مجازي عن إدارات تقوم بوظيفة مؤسسات في انتظار قيام مؤسسات بالمعنى الدستوري والسياسي للكلمة.الجيش، المخابرات، فتح فيها الجدل فضاع المعنى، جهلا أو عمدا، وما دام لا شيء بريء في السياسة، فإن الاختلاف حول المعنى هنا كارثة الكوارث، وهو يعني استحالة الحوار واستحالة التوافق. أليس ذلك هو المرغوب، أدركناه أم لم ندركه؟!اليوم الكل ينشد التغيير ويطالب به. ولكن لكل فريق معنى خاص به. فالتغيير يعني به البعض تغيير الرئيس ويعني به البعض الآخر تغيير ”حكم الجيش والمخابرات” ويعني به طرف آخر تغيير نظام الحكم، ويراه آخر تغيير الأشخاص فقط.حتى مع هذه الفوضى العارمة في المعنى، الموضوعة أحيانا كثيرة، نجد أن البعض لا يعترف للسلطة بأي شرعية ولكنه يطالبها بالتغيير وباحترام الإرادة الشعبية بل ويطالب بـ ”تطبيق الدستور” أو مادة من مواد الدستور، والكل يعرف أن الدستور ظل، بشكل شبه دائم، غير محترم في عمل السلطة.في نظام دستور 2008 وفي المنطق السياسي للحكم القائم مثلا، معنى السلطة هو أنها حكم مطلق. وعندما نعلم أن الرئيس لم يكن متعاقدا أصلا مع الشعب، فحينها لا نستغرب أنه لا معنى لكلمة انتخاب وأقل من ذلك للشرعية، والمحللون متفقون تقريبا على أن ”العهدة الرابعة” مجرد فعل سلطوي عن انسداد وعجز وربما عن توازن ظرفي مصلحي وسلطوي. ذلك واضح لأن هذا الحكم أقام تحالفا مصلحيا واضحا صار هو أداته وقاعدته في الحكم.نعم في الحالة الجزائرية الكلمات لا معنى لها. السياسة صارت هي الحيلة والمناورة الدائمة، لا برنامج ولا مشاريع ولا مشروع مجتمع، لا سياسة لا دولة لا مؤسسات. صار الريع وتوزيعه، وفق ما يقتضيه تحالف الحكم وما يقتضيه استمرار هذا الحكم، هو وظيفته الأولى والأهم.الوضع غريب، الكلمات لا معنى لها والحكم بلا صوت، السلطة بلا عقل بلا قرار، الكل يراهن على الوقت، أن يحدث شغور مادي، ما دام الشغور السياسي لا يعني شيئا ولا يمكن للحكم الاعتراف به ولا يمكن للآخرين فرضه أو انتزاعه، أو ينتظر أن تمضي الأيام وتأتي أيام أخرى أحسن أو أسوأ.ما دام ليس للدولة معنى وليس للدستور معنى وللمؤسسات معنى وما دام ليس للسيادة الشعبية معنى وليس للشعب معنى وليس للديمقراطية معنى ولا للحرية فلن يكون للتغيير معنى ولا للتوافق معنى ولا لأي مفهوم آخر معنى، وما دام ليس هناك بالخصوص توافق معرفي سياسي على معنى الكلمات والمصطلحات والمفاهيم، فإن الأمر في حاجة لإعادة تأسيس كل شيء. لهذا فالمشكلة ليست في دستور نغيّره أو نعدّله إنه في المعنى وفي التوافق على المعنى معرفيا وسياسيا.ذلك عطل صار واضحا اليوم. لهذا فإن التوافق، وعلى المفاهيم أساسا، هو المحطة الأهم في مسار أي تغيير وفي بناء الجمهورية الثانية[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات