+ -

تفاجأ عدد من الروائيين الجزائريين بفوز الروائي الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل للآداب لهذا العام. وكان الكثير منهم ينتظر، استنادا لما أورده عدد من كبريات الصحف، فوز أسماء كبيرة على غرار الياباني هاروكي موراكامي أو الأمريكي فليب روث، والكينى نجوجى واتينجو، والبيلاروسية سفيتلانا الكسفيتش، وغيرهم من الأسماء المتداولة منذ أكثر من عشر سنوات. ومن الجانب الأنجلوسكسوني، اعتبرت الصحف البريطانية والأمريكية فوز موديانو بنوبل 2014 بمثابة ”الفضيحة”،بينما رحبت الصحف الفرنسية بثاني فوز فرنسي في ظرف ست سنوات، عقب فوز لوكليزيو سنة 2008. يبدو أن عنصر المفاجأة أصبح هو الوارد في خيارات لجنة الجائزة الأكثر شهرة عالميا. فقد فازت بالجائزة السنة الماضية كاتبة القصة القصيرة الكندية آليس مونرو، التي لا تتعدى حدود شهرتها العالم الأنجلوسكسوني، فكانت ميزتها الأساسية التمسك بكتابة القصة القصيرة في زمن الرواية. أما باتريك موديانو، الفائز بالجائزة أول أمس، فهو كاتب فرنسي من أصول يهودية تعود إلى منطقة ”سالونيك” بإيطاليا. وقد عاش والده مدة قصيرة في الإسكندرية، وكان مقربا من الملك فاروق، وهو، حسب أمين الزاوي، روائي فضل السير على خطى بلزاك، بينما يعتبره سعيد خطيبي بمثابة كاتب مميز أعاد للرواية الفرنسية صلتها برواية القرن التاسع عشر من حيث الأسلوب. من جهته، قال الروائي محمد جعفر إن قوة موديانو تكمن في اهتمامه بنفس الهاجس. أما الروائي لحبيب السايح، فيرى أن جائزة نوبل خاضعة دائما لقوة خفية تجعلها تختار اسما دون آخر. أما لجنة الجائزة، فقالت عنه ”إنه مارسيل بروست هذا العصر”. وبالنسبة لكثير من المحررين الثقافيين عبر العالم، فإن ما حدث عبارة عن ”فضيحة كبرى”. وانتقدت صحيفة ”ذي غارديان” البريطانية الخيار، وعبّرت عن موقف سلبي من فوز موديانو فانتقدته، مفضلة الروائي الأميركي فيليب روث الذي كانت الصحافة البريطانية والأمريكية تتوقع فوزه.إما بروكس: فيليب روث هو الأولىوصعّدت الكاتبة البريطانية إما بروكس، في مقال نشرته بصحيفة ”الغارديان”، من وتيرة الجدل حول ما اعتبرته تحيز لجنة جائزة نوبل للآداب، متهمة إياها بتعمد منح الجائزة لكتاب مغمورين.وقالت بروكس إن الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل للآداب باتت المناسبة السنوية التي يتحسر عليها كبار الكتاب المتحدثين بالإنجليزية، بمن فيهم الأمريكي فيليب روث الذي دأب الوسط الأدبي على تلقيبه بـ”الخاسر”، رغم أن كتاباته حافظت على المقدمة لأكثر من خمسين عاما.وأضافت أن السويديين اعتبروا منح الجائزة الأشهر في العالم العام 2013 للكندية آليس مونرو، فاتحة خير على أمريكا الشمالية، لكنها اختارت هذه المرة الابتعاد عن المنطقة مرة أخرى بمنح الفرنسي باتريك موديانو، صباح الخميس، ما يسمى في الأوساط الأدبية التي تنتظر نوبل ”الاتصال الذهبي”.وذكرت ”بروكس” أن ”الحكام ”المتغطرسين” الذين عينتهم الأكاديمية الملكية السويدية لاختيار الاسم الفائز بالجائزة لا تهواهم على ما يبدو المدرسة الخلاقة للكتاب الأمريكيين، إلى جانب أن هناك اتهامات للجائزة بشكل عام بأنها باتت منصة لمحاربة هيمنة الثقافة الأمريكية، وأن حكام اللجنة لا يفضلون في الحقيقة أن يمنحوا الجائزة للكتاب الذين تعد كتبهم الأكثر مبيعا”.أما الناقد الأدبي في صحيفة ”نيويرك تايمز”، دوايت كارنر، فقد وصف في وقت سابق ما أسماه ”منطقة حكام نوبل المظلمة” في الآداب بأنها باتت أمرا يثير السخرية. ورغم جفاء بعض الأطراف، فإن موديانو يظل روائيا كبيرا عرف كيف يجعل من الذاكرة فنا روائيا.أمين الزاوي: باريس موديانو هي قاهرة نجيب محفوظذكر الروائي أمين الزاوي أنه تعرف شخصيا على باتريك موديانو في فرنسا، ويعتقد أنه من الكتاب الذين يشتغلون بعمق وبإصرار داخلي، وأنه كاتب هادئ، كنهر يجري دون هدير خارجي، لكن داخله فلسفي مليء بالأسئلة والتردد والذهاب والإياب. وقال الزاوي، في تصريح لـ”الخبر”: ”ماديانو كاتب قلق لكنه قلق المبدع الذي لا يتصالح مع الساكن، كتاباته هي جرح داخلي يحمله معه منذ الطفولة، تعود الطفولة في كل عمل روائي بوصفها نبع الحياة ومصدر الخوف ومصدر اليتم والوحدة”.روايات ماديانو تتقاطع حسب الزاوي ”حتى كأنها تجعلنا نشعر بأنها تتكرر، لكنها سلسلة الكتابة التي تشتغل بطريقة  الحفر في الموضوع وتعرية الجرح بحثا عن شفاء لا يوجد”. وأضاف الزاوي: ”باتريك موديانو   بالنسبة لي هو أيضا كاتب رواية العائلة، فهو في ذلك ينتمي إلى سلالة زولا وبالزاك، إنه وريث لهذين الكاتبين بأسلوب بسيط ولكنه عميق، وباتريك موديانو هو كاتب باريس بكل دقائقها، هو في ذلك قريب من كتابة نجيب محفوظ للقاهرة. باريس موديانو هي قاهرة نجيب محفوظ، لم يكن باتريك موديانو الكاتب النجم مع أنه حاز على كل الجوائز الأدبية الهامة في فرنسا من الغونكور وحتى جائزة المكتبة الوطنية.وختم الزاوي قوله: ”أجمل ما قرأت لموديانو روايته ”شارع المحلات المظلمة” والتي حاز بها جائزة ”الغونكور”. سعيد خطيبي: مصابيح للحوانيت المُظلمةقال الكاتب والروائي سعيد خطيبي إن المفاجأة ليست في نيل باتريك موديانو نوبل للآداب، بل في توقيتها المُبكر نسبيًا، فقد انتظر النّقاد أن ترسو على واحد من الكُتّاب الأكثر حضورًا منه، أو أن تعيد الأكاديميّة السويديّة تعديل بوصلتها وتنتبه إلى كُتّاب الأقاصي، في أوروبا الشرقيّة وغرب إفريقيا، أو على الأقل أدباء روسيا المُغيبة رغما عنها.أوضح سعيد خطيبي بأن ”موديانو، المهوس بذاكرة الحرب العالميّة الثانية، وحقبة الاحتلال، اسم بارز في الرواية الفرنسيّة، منذ النّصف الثّاني من سنوات السبعينيات. يمكن القول إنه انتصر على كُتّاب جيله في وفائه لخدمة الرواية الفرنسية. لكن، هل أضاف شيئًا جديدًا؟ هي محاولته لإعادة الرواية إلى تقاليد نهاية القرن التّاسع عشر، مع بعض التّجديد، بالميل إلى جمل قصيرة وتراكيب لغويّة بسيطة، وهو المقتنع دائما بأن الذّاكرة التي تسكنه قد وُلدت قبل أن يخرج من بطن أمه”.ويعتقد خطيبي أنه لا يمكن الطّعن في نتائج جائزة نوبل، والتي تكرّس كلّ عشر سنوات كاتبًا فرنسيًا، وتجعل من موديانو خليفة للوكليزيو (كلاهما أصدر روايته الأولى وهو في السنّ الثالثة والعشرين، وعن دار النشر نفسها)، لكن الأجيال القادمة ستعرف، بعد خمسين سنة تحديدا، علل اختيار موديانو، وليس كاتبا آخر غيره (ربما أفضل منه)، لنوبل 2014.   محمد جعفر: نجاح موديانو يكمن في إصراره على تناول نفس الهاجسيرى الروائي محمد جعفر أن ”جائزة نوبل غالبا ما تصنع المختلف بالنسبة لنا نحن الذين نعتقد أننا متابعون جيدون للشأن الثقافي، حتى أننا نتصور من قد يكون مرشحا للفوز بالجائزة أكثر من سواه. ثم ها هو كاتب نكاد نقول عنه إنه مغمور يفوز بها وبعيدا عن كل التوقعات”.وأضاف جعفر: ”شخصيا لم أقرأ لهذا الكاتب الذي لم يحظ بالشعبية ولا بالاهتمام بالترجمة له، إلا روايتين هما ”مجهولون” و”الأفق”. ووجدتني لا أتحمس جدا للطريقة التي يكتب بها. وفي اعتقادي أن الرجل كان يشتغل على تيمة الاسترجاع والذاكرة والهوية والفقد التي تغلب على جميع أعماله”. وحسب محمد جعفر، فإن نجاح موديانو يكمن في إصراره على الكتابة بنفس الهاجس، إذ ذلك ما صنع تميزه وتفرده.الحبيب السايح: يبدو أن هناك قوة خفية تشتغل على خيار دون آخر من الكتابقال الروائي الحبيب السايح، عقب الإعلان عن فوز الروائي الفرنسي باتريك موديانو بجائزة نوبل للآداب: ”لا أعلم، كما كثير غيري، ما يجري من وراء ستائر الجائزة. كل ما أعتقده أن مؤسسة الجائزة تقوم باستشارة ”سرية” لدى أوساط نافذة في السياسية والمال وصناعة الذوق. ثم بالنظر إلى أصول المتوج بالجائزة، يبدو أن هناك قوة خفية تشتغل على خيار دون آخر من الكتاب. لا يظهر لي أن قيمة المنجز الأدبية وحدها صارت هي المحدد الأول لمنح هذه الجائزة”. وأضاف السايح: ”إن من ينتظرون أن يتوّج هذا أو ذاك من الكتاب العرب أو الجزائريين لا يأخذون في اعتبارهم أن خيار مؤسسة ”نوبل” يتم غالبا بناء على ولاء معين. ثم على القوة غير الأدبية الدافعة لهذا الكاتب أو ذاك. ولكن، رغم هذا وذاك، يبقى المنجز الأدبي ”الروائي أو القصصي أو الشعري” هو بريق الواجهة للجائزة”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: