يدهشني أن يتحدث البعض عن ارتماء الحوثيين في الحضن الإيراني، رغم أن أشد السنة تطرفا يرى بأن المذهب الزيديّ أقرب للسنّة من غيرهم. مبعث الدّهشة ليس سياسيا بقدر ما هو عقديّ. فإن صحّ أنّ الزيديّة الآن حلفاء لإيران فما الذي جعلهم رغم الخلافات المذهبية العميقة كذلك وحوّلهم من موضع الشاهد على الأمامية إلى موقع الحليف لها؟ الأولى الحديث عن دفع للزيدية باتجاه الاحتماء بإيران.. ومن وراءه؟شخصيا لست مولعا بقطع الماء والكهرباء والهواء على إيران، ولا أرى أن على الجمهورية الفارسية أن تثبت طيبتها بالامتناع عن الأكل والشرب والتنفس.. أو منتظما في سلك الخانة العروبية العنصرية- رغم اعتزازي بنسبي- التي تقصي بعض أمم الإسلام من حقوق الريادة، وتحصر دورهم في “الولاء” ووصفهم في “الموالي”.لماذا يتخلى الزيدية عن من هم أقرب اعتقادا ومذهبا من أهل السنة وتحديدا الشوافع والأحناف، وبما عرف عن الأوائل من حب وموالاة لآل البيت (راجع أخبار الشافعي رحمه اللّه في هذا الباب وأشعاره) والقرب الفقهي والجدلي مع الثاني، إذ لا يكاد يكون ثمة خلاف عقدي أو فقهي يذكر بين المذهبين إلا قليلا، إن لم يكونوا دفعوا إلى ذلك دفعا، وأقصاهم القريب إلى حضن البعيد.المسألة عندي ليست في أن الحوثيين لم يستعينوا بإيران فإن غاب الشاهد فقد حضر الأثر، ولكن لسنوات طويلة وهذه الجماعة تخوض حربها في سبيل إعادة نظام الإمامة المنقلب عليه لضرورات شرقية وغربية. ومن نافلة القول إن من مشايخها من تخرج من معاهد سلفية، دون أن تكون ثمة عقدة مذهبية، قبل أن تتحول البوصلة لإيران.ما حدث أن الحوثيين كانوا جماعة مهزومة لجأت إلى جبال صعدة ضاق عليها الخناق برّا يمانيا وجوّا سعوديا، حتى ظن من أشفق أنهم سيغدون بعد قليلا خبرا وأحاديث تروى.. ولكن بشكل مفاجئ، تسقط الدولة في أيديهم– خلاف السيناريو-، دون مقاومة من جيش يحصي ستمائة ألف جندي..حين يمتنع الجيش عن القتال، بوسع أي حركة مسلحة السّيطرة على الدولة. فلماذا توجه البنادق للحوثيّين ويبحث عن دافع خارجي وراءهم يتهمهم، بدل التركيز على نقطة امتناع الجيش عن القتال، بالطريقة نفسها التي دفع فيها الجيش في مصر إلى عصيان مبارك ومن خلفه مرسي.. وقبله الجيش العراقي إلى رمي البنادق بعد نصر مشهود في مطار بغداد. لا أعتقد أن لإيران القوّة والتغلغل اللازمين لكبح جماح الجيش اليمني، وذلك غير متهيئ إلا لقوتين إقليمية وهي السعودية وعالمية وهي الولايات المتحدة الأمريكية.الملاحظ أن تقاربا سريعا بين إيران والمملكة حصل غداة سقوط صنعاء، كأن الاثنين يبرئان ذمتهما مما حدث في الجوار الجنوبي، ويعربان عن فهمهما العميق لدوافع ما حصل وما قد يترتب عنه، وهو ما تجسد بالضغط منهما تجاه اتفاق مصالحة بين حليفيهما ما كانت الأمم المتحدة ولا ابن عمر عليها بقادرين “أخشى أنها لم تكن محل رغبة في أوساط دولية معلومة”.إن الضاغط الأكبر هو الفاعل، وتحييد الجيش دافع للتمهيد لمواجهة بين القاعدة في جزيرة العرب والحوثيين على نمط “داعش” والشيعة شمالا، وحزب اللّه والنصرة في الوسط، وقريبا ستحرك المنطقة الشرقية في المملكة التي سبق لآل الأحمر أن غزوها قديما وأقاموا فيها دولة علوية “أدارسة عسير”.. ثم تنتفض الأهواز وكردستان إيران على أسس عرقية ومذهبية.. وسيشغل الكل بالكل، في حرب لن يصبّ خراجها في حضن مسلم[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات