+ -

 عيد بأيّ حال عدت يا عيد، بمَا مَضَى أم بأمرٍ فيك تجديد. بالنسبة لغزة فقد جاء العيد هذا العام سيدي المتنبي لا يحمل من التجديد سوى رائحة الدم والدمار التي فاحت في أرجاء غزة. يطرق العيد أبواب بيوت الغزويين كل عام بجرح سببه احتلال متواصل منذ عام 1948، لكنه يتعمق هذا العام مع الألم وجراح سبّبتها حرب “إسرائيلية” شرسة على أهل غزة العزل.عيد  الغزويين على ذكرى 1032 شهيد منهم 300 طفل، وسيستقبلون عيدهم بجراح أكثر من 1000 جريح جلّهم أطفال. احتفل الغزويون على ركام أكثر من 10604  منزل دمّرته آلة الحرب “الإسرائيلية” في عدوانها المتواصل على غزة. أتى العيد على 350 ألف مشرّد نزحوا من بيوتهم قسرًا، خوفًا من الموت الذي فرضته عليهم “إسرائيل” معظمهم يسكنون في مناطق حدودية. صلى المحتفلون بالعيد على أطلال عشرات المساجد التي ترأست ما أسمته “إسرائيل” بنك أهدافها في الحرب على غزة. حل العيد على الشجاعية وبلدة خزاعة المدمرتين بالكامل، واللتين لم يبق منهما سوى ركام وذكريات مؤلمة وأشياء كثيرة. فرحة الغزويين بالعيد منقوصة بذكريات عشرات الشهداء الذين ارتقوا في 60 مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال بحق عائلات بغزة. لا عيد في غزة سوى للراحلين إلى الجنان، القلوب مكلومة والجراح مفتوحة والبيوت منها ما هو مهدوم ومنها ما يحتضن المشردين من بيوتهم التي أصبحت أكواما من الرماد الذي لا ملامح له، والجرحى لا زالوا على أسرّتهم ينتظرون تحويلاتهم الخارجية لإكمال علاجهم، فلم يعد بيت فلسطيني واحد خالي الجرح الموحد في غزة كل غزة. فالعيد في غزة أصبح رواية تٌسرد تفاصيلها بأحرف رعب حقيقية أّلّـفها الصمت العربي عن مجازر الاحتلال ليعيش تفاصيلها قطاع غزة؛ وهي بحاجة إلى من يضمد جراحها النازفة، فما أن يحل ذكر العيد بين الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة حتى يحل برفقته الوجع وذكر الراحلين، يهزأ أحدهم بقوله: “ أي عيد، وأي مناسبة تلك التي سنحياها؟، لا تقولوا عن العيد شيئا”.الحاجة الستينية أم أحمد أبو غنيمة قالت إن ما يميز أعيادنا ومناسباتنا هو المجازر التي ترتكب بحقنا من قبل الاحتلال. في يوم تذكّر الناس مآسيهم ونسوا أن هناك عيد للفرح والسرور “ليالي سوداء كانت علينا”، هكذا تذكرّوا ليلة الهروب في يوم العيد، قالوا لـ”الخبر”، “نحن مقهورون  لما جري معنا”، في يوم العيد استذكر الحاج محمد بالهدوء الذي يحمل كل معنى الغضب: “طخوا علينا، أجبرونا نطلع من دارنا، ما خلوا شي، فقدت كل ذرّيتي ونجوت براسي، اليوم أنا بلا عيد”.وجاء العيد ومضى العيد وجراح نازحي غزة لن تتخثر بعودتهم فقط، ستبقى غائرة إلى أن تنهض أحياؤهم على أقدامه، وحتى لو نهض من يداوي قلب أم فقدت ولدها، وأب فقد أسرته، وطفل أضحى يتيما؟ لن تجف الدماء ولن تنسى الذاكرة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: