يستعرض الناقد المغربي، عبد الفتاح كيليطو، في كتابه الموسوم ”الأدب والارتياب” مكامن الحذر في النصوص الأدبية التي ألّفها الأقدمون. ويرى أن شهرزاد، على سبيل المثال، لا تنسب إلى نفسها الحكايات التي تسردها في ألف ليلة وليلة، بل تنسبها إلى مؤلف غير معروف، وهذا ما يستشف من استهلال ما تسرده كل ليلة بالقول: ”بلغني أيها الملك السعيد...” والشيء ذاته يقال عن كُتاب المقامات الذين لم يأخذوا على عاتقهم ما كتبوه، بل يحيلونه إلى كائن تخيلي. فبديع الزمان الهمذاني، على سبيل المثال، يستهل مقاماته التي تنطوى على ضروب من الثقافة وتتضمن الكثير من أخبار الشعراء، بالقول حدثني عيسى بن هشام. أما الحريري فكتب مقامات كان بطلها الحارث بن همام البصري، ورواها على لسان أبي زيد السروجي.
ويستشف كيليطو مما سبق أن الكتابة الأدبية تلتزم الحيطة والحذر والخوف من المضايقة والاضطهاد. وخير مثال على ذلك يجسده عبد الله بن المقفع الذي لجأ إلى الرمز، فاستعان بالحيوانات للتعبير عن أفكاره وآرائه في السلطة والحكم والصداقة والعدل، غير أن حيطته هذه لم تنفعه. وكانت نهايته مأساوية. ويعتقد كيليطو أن ريبة الأدب أتت من إحساس الكُتاَب أن الكتابة مسؤولية وعرضة للمخاطر. ويورد في هذا الإطار ما خطّه الجاحظ في كتابه الموسوم ”البيان والتبيّن”، والذي استهله بالتعوذ من فتنة القول سائلاً الله أن يجنبّه من السلاطة ”سلاطة اللسان” أي طُولُ اللِّسَانِ بِالسُّوءِ ”والهذر” كثُرَة الكلام الذي يتضمن الخطأ والباطل ومن العي والحصر.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات