تواجه الجزائر، كغيرها من البلاد الإسلامية هذه الأيام، مؤامرات ومخاطر تهدد المجتمع الجزائري، وذلك من خلال المحاولات المستميتة في الزجّ ببلادنا وشبابنا في أتون معارك وحروب وهمية يصنعها العدو بمسميات وألوان مختلفة لتوريطنا في ما يسميه محاربة الإرهاب، والنيات والأهداف من وراء ذلك واضحة لكل ذي لبّ، ولا تخفى عن من عنده ذرة من النظر والتبصر.هذا كله يستدعى من شبابنا وشاباتنا وأهل الحل والعقد في هذا البلد العظيم، يستدعي منهم اليقظة والوعي والتوحد حول قيَّمنا التي نشأنا وترعرعنا على التمسك بها والدفاع عنها. إن الأعداء يتربصون ويخططون ويطمعون في البلاد الإسلامية جمعاء وبلادنا الجزائر بالخصوص..هناك عمل دائب من دوائر الاستكبار والاستعمار العالمي والصهيونية لبثّ الفرقة والتشتت بين المسلمين، والدعوة إلى إشعال الفتن الطائفية والتعصب المذهبي وإثارة النعرات العرقية حتى تبقى الأمة الإسلامية ضعيفة مفككة، ممزقة ينقضّ الأعداء عليها دولة دولة، يستغلون ثرواتها ومواد الخام فيها لصالح صناعاتهم، والتمكين للعدو الصهيوني ليبقى شوكة في قلب العالمين العربي والإسلامي.هذه التحدّيات التي تطالعنا صباحَ مساءَ، والتي تهدِّد وجودَنا كشعوبٍ، وتهدِّد بقاءَنا كأمة، وتهدِّد عقيدتَنا ولغتنا ووطننا ووحدتنا.. تحتاج من الأمةِ أن تتظافَرَ جهودُها، وأن تتعاظَمَ تضحياتُها، وأن تتواصَلَ جهودُها في سبيل مواجهة هذه المخاطر.إن طبيعة ديننا تَؤزُّنا أزًّا، وتدفعنا دفعًا إلى إعلاء الهمة، وتصليب العزم، واستعادة الثقة، ووجوب التحرك لإنقاذ أمتنا، ومواجهة التحديات والمخاطر، دون يأسٍ أو خوفٍ ودون تردُّدٍ في حمل الأمانة، فشرعُنا ودينُنا حرَّم علينا اليأسَ والقنوطَ، ونهانا عن التخاذلِ والفرارِ من التبعات والمهامِّ الثقيلةِ، فاللّه تعالى يقول: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139].إن تلك الظروف الصعبة ونظرا للمخاطر التي تحدق بالأمة والمجتمع تحتّم علينا ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية وإنقاذها من كل ما يتهددها من أخطار بفعل المؤامرات الخارجية واستعادة روح الأخوة بين أفراد الأمة وحفظ الاستقرار والأمن وتحقيق التعاون والانسجام والوئام.نحن مطالبون بحماية وصيانة القيم والفضائل وجميع عوامل وحدة الكلمة والهدف، إننا بحاجة إلى إيقاظ أمتنا وشعوبنا من غفوتها، وتذكيرها بخطورة ما يحدث في محيطها ومن حولها وما يُحاك لها، دون ادِّخارٍ لجهدٍ ودون تباطؤ في سعي..إننا بحاجة إلى تعاون جميع المخلصين لسدِّ الهوَّةِ العلمية والتقنية بيننا وبين سائر الأمم، إننا بحاجة إلى الوقوف صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص..إن مجتمعنا نسيج واحد، والواجب أن الكل يسعى لإرساء دعائم الوحدة الوطنية ولا يقبل بغير وحدة الصف وجمع الكلمة حتى لا تندلع الفتنة، كما أمرنا القرآن الكريم: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”[المائدة 2].وعلى المفكرين وأهل الإصلاح وأصحاب الأقلام والإعلام أن يكونوا عند حسن ظن الأمة بهم. والمفكرون وأهل الإصلاح هم الذين ينتجون بذور الآمال العظيمة، ثم يزرعونها في عقول وقلوب الأمة، ثم يتوَلَوْنها بالرعاية والحماية حتى تثمر قوةً ووحدةً ومقاومةً لأي تهديد يتربص بالمجتمع والأمة.. وتفوِّت على الأعداء سعيهم في نشر بذور الصراع والتقاتل بين الأخ وأخيه في المجتمع الجزائري الموحد والمعتصم بحبل اللّه، وما وَحَّدته يد اللّه سبحانه لا يمكن لأي يد أن تفرقه أو أن تجعله لقمة صائغة للأعداء والكائدين.يقول اللّه سبحانه: “وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” [ العصر1-3 ].إن المصلح والمربي والقائد الذي يعرِّف الناس الحق ويوصيهم بالإيمان به وتقديره إنما يقوم مع الناس بالنصف الأول من وظيفته، وهي “التواصي بالحق” ويبقى النصف الثاني والمهم من وظيفته ومهمته العظيمة وهو “التواصي بالصبر”، ويعنى دعوة الناس إلى الصبر على تحويل معرفة الحق من المعرفة العلمية إلى الواقع العملي، فإذا كانت قواعد البناء لشخصية المفكر هي “آمنوا وعملوا الصالحات” فإن مهمته في بناء الآخرين هي “وتواصوا بالحق” و«وتواصوا بالصبر”.هذه هي مهمته التي نحن في أمسّ الحاجة إليها، في عصر تراجعت فيه أمتنا بعد التقدم وضعفت فيه بعد القوة وافتقرت فيه بعد الثراء.إن وحدتنا وتعاوننا جميعا دون إقصاء لأحد، وتواصينا بالحق والصبر، هو بمثابة صخرة صلبة تتحطم على أركانها كل المخططات التي تستهدف التفكيك والتفتيت، وتدفع أبناء الوطن الواحد إلى ضرب رقاب بعضهم البعض وتهدف إلى نشر الفوضى والرعب في المجتمع الإسلامي، كما أصابنا من البلايا على مدى التاريخ، ولكن وحدتنا بقيت تقاوم الزمن، فعلينا أن نحمي وحدتنا لأنها وحدة محصنة ضد مصائب الجهل والفقر والتخلف والمخططات الأجنبية.إننا نقول للعالم إذا أردتم القضاء على الإرهاب وعلى مخاطره وحماية الأرواح والممتلكات من الإرهابيين فلابد من حل أزمات العالم، وعلى رأسها أزمة الشرق الأوسط لأنها أساس المشكلات وجوهر الصراع، ولابد من إجبار إسرائيل على الرضوخ للقوانين الدولية والمواثيق ووقف الاستيطان والتهويد والقبول بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين.نحن في حاجة إلى وحدة ويقظة راشدة، تستفيد من الإيجابيات وتنبذ السلبيات، تعيد المجد والعزة والكرامة إلى الأمة وتدفع عنها ما ألحقه بها الأعداء.اليقظة الإسلامية المطلوبة والتي تسبق الوحدة وتمهد لها وتنبذ العنف والتعصب، وتعيد الأمة إلى رشدها لتصبح بحق خير أمة أخرجت للناس كما وصفها ربنا سبحانه وتعالى حيث يقول: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” [آل عمران 110].
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات