+ -

 ما زال النقاش منذ استفتاء السلم والمصالحة الوطنية يدور حول نجاح أو عدم نجاح هذه الخطوة، والواقع إن مجرد وجود مثل هذا النوع من التساؤل، يعدّ في حد ذاته فشلا لهذا المشروع، على الأقل في جزء منه. لا يكفي فقط أن تطلب من الشعب أن يصوّت على أي قانون، بل عليك أن تقنعه أولا بجدوى هذا الإجراء وثانيا بنتائج هذه الخطوة. فإن استطاع النظام أن يقنع الشعب بضرورة حقن الدماء (فنحن شعب عاطفي لا ننظر إلى المستقبل إلا بعين القلب)، هل أقنعه بإجراءات هذه المصالحة ونتائجها؟ لا يمكن أن نجزم ما دام أن السؤال قائم، لكن الأخطر أن النقاش اليوم تحوّل من موضوع مصيري يعني الشعب ومستقبله كله، إلى نقاش هامشي بين من هم مع الرئيس وضد الرئيس؟ من هم مع الرئيس يقولون إن المصالحة نجحت بـ95 بالمائة، ومن هم ضد الرئيس يقولون لم تحقق كل أهدافها، بل هناك من يصفها بالفشل ويستشهد بأن الجزائر ما زالت تعاني من اللاأمن ومشاكل أخرى متعلقة بالأزمة الأمنية.. 

في الواقع إن المصالحة الوطنية حملت بذور وجينات فشلها من الأول، ولا يتعلق الأمر بالرئيس بوتفليقة كشخص، لكن بالنظام بمجمله، لأن الغرض من المصالحة لم يكن فعلا حماية الدولة ولا الشعب، ولا حتى من أجل الجزائر المتمعن في مجريات الأحداث، يدرك أنها كانت طوق نجاة للنظام، إذ عن طريقها أمسك بيده عدة خيوط تمكّنه من أن يراوغ ويساوم ويتحكم. إذن فالهدف الأساسي من المصالحة هو فتح المجال أمام هذا النظام ليعيد خيوط اللعبة بين يديه، لأننا كجزائريين مجبولون على عدم إتمام مشاريعنا، أن نبقى دائما في المنتصف، فنحن شعب يركن سيارته وسط الرصيف، بينما يمشي جزء من الشعب في الطريق معرّضا نفسه للخطر، هكذا هو تفكيرنا، مجبولون على أنصاف الأشياء. فقد جاء مشروع المصالحة مبتورا ومهزوزا، وإن قورن بتجارب مشابهة، فإننا بعيدون كل البعد عن مفهوم المصالحة الحقيقي، لأن المفهوم الحقيقي الذي كان يمكن أن يخرج الجزائر فعلا من النفق، هو المصالحة مع الذات وأقصد به الطرفين شعب ونظام، ولا تكون إلا بقول الحقيقة، كل الحقيقة للشعب، ولنا في التجربة الجنوب إفريقية أفضل مثال على نجاح هذا النوع من المصالحة فيما عُرف بـ«لجنة المصالحة والحقيقة”. كان يمكن أن نصل إلى آخر النفق ونخرج لو كان الغرض فعلا من هذه المصالحة هو حماية الدولة، وليس نظاما يريد فقط أن يبقى متحكما بزمام وخيوط كل شيء في الجزائر. لقد كذب النظام على الشعب حين أوهمه بالمصالحة الوطنية، فالمصالحة لا تعني شراء الذمم ولا إسكات من فقدوا أبناءهم بغير ذنب، ولا عودة التائبين للاندماج في الحياة.. المصالحة أن نتقبل كجزائريين أن جزء من هذا الشعب بفوقه وتحته، قد أخطأ وانحرف، وعلينا كشعب ونظام أن نختار إما الصفح والمصالحة أو المحاسبة والعقاب، لكن بعد أن يعرف الجميع كل الحقيقة، ولا تُقال تحت الشفاه والطاولات وعن طريق ملفات المساومة من هنا وهناك.. صوّت الشعب على مصالحة وهمية، لا يعرف حتى حيثياتها، ولذلك ما زال الأمر معلقا إلى اليوم.. أما قضية عودة الحزب المحل أو المفقودين ستكون فقط جزء من المصالحة، إن كانت النية حقيقية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: