دواليب السلطة والقرار تغلي، قال البعض، الساحة غارقة في ركود مخيف، يقول البعض الآخر. من الناحية العملية لا ملمح عن نهاية النفق، لا رئيس لا حكومة لا برلمان لا رؤية لا كلام في السياسة من قبل أصحاب السلطة. قرارات تتخذ من قبل رئيس الجمهورية الغائب غيابا مزمنا، وتجعل الكثير يتساءل من يتخذ القرارات ولماذا وكيف؟يبدو أن تلك هي ”هوية العهدة الرابعة” وقت ضائع من البلاد في ما لا يفهم غير أنه ”غياب القرار”. وعندما نرى عبد المالك سلال ”يدور!” في متاهات كلام غير مفهوم ولا يلوك إلا كلمات بلا محتوى سياسي ولا يعلن إلا أرقاما عن ”توزيع” ريع صار هو ”الدولة” ومبرر وجودها وحضورها الوحيد، ندرك أنه الركود وغياب القرار وغياب حياة مؤسساتية عادية، فلا اجتماع لمجلس الوزراء ولا مشاريع ولا نقاش. في كل هذا، هناك على ما يبدو من ينتظر، إما لأنه غير قادر على الحركة أو لأن الطريق لم يرتسم بعد أمامه.ولكن عمليا أمامنا الآن سلطة بلا مبادرة، وهي على لسان عبد المالك سلال ترى أن الأمور عادية، حتى وإن كان هناك مشكل ”ثقة!”، كما قال، بين الكل، وهي على لسان عمار سعداني، تعد العودة لـ«تعديل الدستور”، ويبدو من غير توافق سياسي لأنها ستمرره عبر البرلمان ومن غير تشاور سياسي آخر مع الساحة السياسية، في حين سبق أن سمعنا الرئيس بن صالح والوزير غول يتحدثان عن جولة أخرى من التشاور حول تعديل الدستور، وكل ذلك لا يمكن أن يشكّل، في كل الأحوال، مبادرة تذكر. فالمكلف بملف التشاور حول تعديل الدستور، وزير الدولة أحمد أويحيى، صمت منذ انتهاء تلك المشاورات التي لم تكن حدثا سياسيا هاما.وهناك من ناحية أخرى محاولات مبادرة: فرئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش لم يتوقف منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية عن التنبيه لما يسميه ”الانسداد” وهو يدعو النخب، سواء الثلاثي (الرئيس بوتفليقة وقائد الأركان ڤايد صالح ومسؤول المخابرات الفريق محمد مدين ”توفيق”)، إلى تحمل المسؤولية، أو يدعو المؤسسة العسكرية ككل أو مختلف القوى السياسية إلى بناء توافق سياسي وطني جديد لأنه المخرج الوحيد لتفادي انهيار مخيف العواقب. وهناك المرشح السابق علي بن فليس يطرح آراءه ولا يختلف مع حمروش إلا في مسائل منهجية، وهناك تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي عملت وتعمل من أجل بناء حركة سياسية واسعة ضاغطة تدفع باتجاه التغيير وباتجاه توافق سياسي، وهناك جبهة القوى الاشتراكية التي تدعو لإجماع وطني وتعلن أنها تعد لندوة له في نهاية العام الجاري. كل ذلك مازال ”شرنقة” تنتظر الحياة. ولكن الكل يدعو للتغيير بالتوافق السياسي الواسع. مقابل كل هذا المضاربات مزدهرة. والتفسيرات التي يتطوع بها المحللون في كتابات أو في مناقشات سياسية أو أحاديث المقاهي متنوعة متناقضة متناسخة.. إن لم تتوفر إجابات واضحة، فإن المسائل تعد واضحة، قد تكون السلطة قوية على غيرها، أي على الجزائريين، بما هو بين يديها من وسائل الدولة وبما تملك من قدرة على حرمان كل من يعارضها من وسائل العمل، ولكنها ضعيفة جدا في التكفل بشؤون الدولة وضعيفة أمام المصالح الداخلية والخارجية وأمام الفساد ورديئة جدا في كل ما يتراءى منها، إدارات وأشخاص ونتائج وخطاب وغير ذلك كثير. والسلطة إن ضعفت أمام أطماع عُصبها والمصالح المتحلقة حول هذه العُصب، واختارت الهروب إلى الأمام، فهي اختارت المواجهة مع الجزائريين، مواجهة الخاسر فيها هو الدولة وهو مؤسساتها وهو جل الجزائريين، وهي بذلك تعرض البلاد لمخاطر لا تحمد عقباها. ومؤشرات كثيرة تدل على أن السلطة صارت أسيرة منطقها وأسيرة مصالح عُصبها وأسيرة شَبَق السلطة عند الكثير من مسؤوليها.واضح اليوم ليس هناك طرف قادر لوحده على المبادرة بحل. هناك رئيس يملك كل الصلاحيات ولكنه لا يبادر ولا يتحدث، بشكل مباشر أو غير مباشر، عما ينوي أو لا ينوي القيام به. وهناك مؤسسة الجيش، وهي بالرغم من دعوات كثيرة للمبادرة وتأطير حل أو مخرج سياسي لإنقاذ الدولة، مازالت تختار الصمت، وهناك ساحة سياسية تحاول التحرك ولكن كأنها في انتظار ”ضوء” يفتح أمامها طريق العمل والسير باتجاه الحل. الكل يتحدث عن شيء ما يطبخ، تعديل حكومي أو تغييرات سياسية هامة، ولكن لا أحد يتبين اليوم ما يطبخ وما سيأتي؟
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات