السؤال باب الاطلاع والمعرفة والصحفيون محترفوه، يستخدمونه لاستقاء الأخبار، ومنه ينطلقون في تحقيقاتهم الصحفية، وبفضله يدركون أن فهم الواقع يتطلب تعددية الرأي. وللسؤال تأثيره السحري على المتلقي، إذ بقدر ما يعلمه فن الإصغاء يحثه على التفكير. لكن بعض المقابلات الصحفية في وسائل الإعلام العربية المكتوبة والمرئية تنسف ما سبق قوله، وأبرز مثال على ذلك نختصره في ما يلي: التقت المغنية اللبنانية ماجدة الرومي ببعض الصحفيين في ندوة صحفية في ربيع 1997 بالجزائر، فخاطبها أحدهم قائلا: لقد غنيت قصائد نزار قباني دون أن تكون لك معرفة مسبقة به كشخص، والأذن تعشق قبل العين أحيانا، كما يقول الشاعر. وتوقف الصحفي “السائل” عن الكلام، فانتظرت المغنية بقية الجملة، وبعد أن أتعبها الانتظار سألته: أين هو السؤال؟ فكان رده: إنه موجود في الجملة التي ذكرتها! فكم من مرة سمعت، عزيزي القارئ، منشط ندوة صحفية أو مُستَجوَبا في برنامج تلفزيوني ينبه محاوره قائلا: أين السؤال؟ فالسؤال عن السؤال يدفعنا إلى الاستفسار عن الغاية من إجراء المقابلات التلفزيونية، ويجرنا إلى مراجعة كتاب الصحفية الأمريكية باربارا وولتز التي ضمنته عصارة خبرة ستين سنة قضتها في إجراء المقابلات التلفزيونية، والموسوم بـ«كيف تتكلم مع أي شخص عن أي موضوع؟”. بالطبع، إنها لا تقصد مواضيع “التوك شو” العربية من نوع برنامج “الحكم” الذي سألت مقدمته ضيفها الممثل المصري “ هنيدي”، قائلة: هل أنت من الرجال الذين يشخرون في نومهم؟ وعندما أجاب بالنفي، أبدت رغبة شديدة في أن تسمع شخيره على المباشر، فأثارت اندهاشه واندهشنا.
تقول الأديبة العراقية لامية عباس إن سحر العرب القدماء بالسؤال قادهم إلى إدراجه في فن البلاغة لتوكيد الذم أو المدح، وهذا ما نجده في بطون الشعر العربي القديم، لكنها لم تتصور قط أن السؤال في بعض وسائل الإعلام العربية بلغ درْك السماجة الأسفل وفقد الحد الأدنى من النباهة والخيال التي ميزت السؤال الذي شكل القصة القصيرة جدا، التي كتبها إدواردو غاليانو، بعنوان “النحات والأطفال” والتي يذكر فيها أن نحاتا مشهورا يشتغل في مرسم شاسع محاطا بالأطفال، وفي أحد الأيام كلفته البلدية بنحت حصان كبير لوضعه في إحدى ساحات المدينة وأحضرت شاحنة كتلة غرانيت ضخمة إلى المرسم وشرع النحات في نحته بالمطرقة والأزميل معتليا سلما، وكان الأطفال ينظرون إليه وهو يعمل. ثم ذهب الأطفال في عطلة، بعضهم إلى الجبال، وبعضهم إلى البحر، وعند عودتهم، أراهم النحات الحصان الذي انتهى من نحته، فسأله أحد الأطفال بعينين مفتوحتين على أشدهما: لكن.. كيف عرفت أن داخل تلك الصخرة يوجد حصان؟
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات