+ -

كنت أعتقد بأن اللقاء سيكون تقليديا، كلمة افتتاح ثم عرض للموضوع، ينتهي بإعطاء توجيهات مع التركيز على ضرورة تنفيذ التعليمات، ولكن الأمر كان مختلفا تماما في اجتماع الحكومة بالسلطات، حيث كان اللقاء أقرب إلى جلسة عصف ذهني، وهي طريقة جماعية وعملية للتفكير الإبداعي واستمطار الأفكار، تحاول المجموعة من خلالها إيجاد حلول لمشكلة محددة من خلال توليد أكبر كمّ من الأفكار المبتكرة والمقترحات عبر الحوار التفاعلي والتشاركي، ومن ثم تحليلها بهدف اختيار البديل الأنسب، وانتهاء باتخاذ القرار وتنفيذه بواسطة فرق عمل يؤطرها برنامج للحكامة والابتكار، ومن ثم كان التفاعل والمواجهة أيضا، مواجهة الذات قبل كل شيء، حيث يكتشف كل مشارك ما الذي يمتلكه من أفكار وما مدى قدرته على الإبداع والابتكار، وأين مكمن الخلل في رؤيته وتصوره أو في عمل مؤسسته أو في غيره، إنها خطوة غير تقليدية واستراتيجية، نتمنى أن تصبح نموذجا للقاءات ذات العلاقة  بمشاريع التمدن والعمران.

وفي هذا السياق يمكن القول بأن الاهتمام بالوجه العام للعاصمة ذو علاقة عميقة بمفاهيم التمدن والعمران والحضارة، حيث أن التهيئة العمرانية بمختلف أبعادها وتفرعاتها الخاصة نالت حظها من التشخيص الاستراتيجي والاقتراحات، ابتداء من النسق والطراز المعماري للمدينة وشبكة طرقاتها ومنظومة إشاراتها الضوئية وبنيتها التحتية، ولكن التمدّن ليس مجرد مرافق وقوالب إسمنت تعلوها مسحة جمال، إنما هي علاقة انعكاسية بين العمران والاجتماع والذوق العام، فعلاقة المرأة في مدننا بالفضاء العام مثلا مؤشر قوي على درجة التمدن التي تبلغها المدينة، ففي الفضاء العام الذكوري بامتياز مثلا، تجبر المرأة في المدينة على التخفي والتواري خشية أن يخدش حيائها بكلمة نابية أو يمارس ضدها عنف معنوي أو مادي مجانا، فقط بسبب أن جسدها مصدر الخطيئة والغواية، الأمر الذي يؤكد أن حس المدينة لا يزال غريزيا غير حضاري، فضلا على أن مدينتنا هي من المدن النادرة التي لا تستطيع المرأة فيها أن تضع حلقا أو عقدا في الشوارع العامة دون أن تتعرض للأذى، بل قد تتعرض للأذى لمجرد ردها على أي نوع من التحرش، ويقع ذلك على مرأى ومسمع الشارع، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن المفهوم الحقيقي لذكورية الفضاء؟ 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: