+ -

 بعد الهزيمة النكراء التي منيت بها مصر ومن ورائها العرب في حرب الأيام الستة سنة 1967، ظهرت لأول مرة فكرة الحوار الجدي مع إسرائيل من أجل صفقة سلام بين العرب وإسرائيل، وتولى طرح هذه الفكرة وزير خارجية أمريكا روجرس، والذي سمي مشروع السلام هذا باسمه.كان مشروع روجرس للسلام بين العرب وإسرائيل يعتمد على فكرة المفاوضات المباشرة بين العرب وإسرائيل، مقابل الانسحاب من جميع الأراضي أو (أراض) التي احتلتها إسرائيل سنة 1967. وكان الهدف من هذا المشروع هو إبطال قرارات مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في الخرطوم بالسودان وأصدر قراراته الثلاثة المشهورة: لا تفاوض ولا اعتراف ولا مصالحة مع العدوان الإسرائيلي... لكن مصر التي حصلت على أموال من القادة العرب في مؤتمر الخرطوم بغرض إعادة بناء جيشها الذي حطمته إسرائيل، ضربت عرض الحائط بقرارات الخرطوم، وقبلت مشروع روجرس الذي يعتمد فكرة التفاوض مع إسرائيل بصفة مباشرة.. أي الاعتراف بها والمصالحة معها.هذا القرار المصري المنفرد سنة 1968 أثار لغطا كبيرا في الرأي العام العربي والمصري على السواء، لأن فكرة التفاوض مع إسرائيل كانت صادمة للرأي العام. وأحسن من عبّر عن هذه الصدمة.. رسام كاريكاتوري بمجلة روز اليوسف المصرية، حيث رسم أحد المهندسين الفلاحيين في ريف مصر يشرح لفلاح مصري عتيق كيفية استخدام آلة حديثة لرش المبيدات الحشرية، لإبادة حشرة القطن... وعجز المهندس عن إيصال فكرة استخدام الآلة بوضوح للفلاح... فقال له الفلاح بتلقائية صادمة: ما رأيك يا بيه... عوض أن نحارب الدودة بهذه الآلة التي تشبه الدبابة، لماذا لا نتفاوض معها كما يتفاوض جمال مع إسرائيل؟! أليس ذلك أفضل؟!تذكرت هذه النكتة الكاريكاتورية وأنا أتابع النقاش (الحاد والجاد) بين المعارضة الجزائرية بمختلف تشكيلاتها وهي تتبادل الاتهامات بخصوص موضوع الحوار مع السلطة أو محاربتها.. ما هو الأفضل؟!كل الناس يعرفون الآن بأن ما تقوم به السلطة في الجزائر من دمار يتجاوز الدمار الذي تقوم به “دودة القطن” في الريف المصري، ومع ذلك هناك من يرى في إبادة السلطة بمبيد الشعب، كما حدث في عين صالح، أمرا غير مجد وغير مرغوب فيه، ويدعو مثل الفلاح المصري إلى التفاوض مع الدودة أفضل من محاربتها؟!حكاية مقري والأفافاس وجاب الله هنا هي أسوأ من حكاية بن يونس وبن صالح وسعداني في موضوع شرعية الحوار مع الدودة من عدمها؟!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات