+ -

 لقد امتنّ اللّه بهذا البيت الكريم على المشركين أنفسهم إذ كان بيت اللّه بينه مثابة له وأمنًا والنّاس من حولهم يتخطّفون وهم فيه وبه آمنون، ثمّ هم بعد ذلك لا يشكرون اللّه ولا يفردونه بالعبادة في بيت التّوحيد، ويقولون للرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم إذ يدعوهم إلى التّوحيد {إنْ نَتَّبِعَ الْهُدَى معك نُتَخَطَّف من أرضنا..}.فحكى اللّه قولهم هذا وردّ عليهم {أَوَلَمْ نُمَكِّن لهُم حَرَمًا آمِنًا تُجْبَى إلَيْه ثَمَراتُ كُلِّ شيء رِزْقًا منْ لَدُنَّا وَلَكِن أكْثَرُهُمْ لا يعلمون} القصص:57، وفي الصّحيحين عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم فتح مكة: “إنّ هذا البلد حرام لا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه (الرّطب من النبات)، ولا ينفَّر صيده، ولا تلتقط لقطته إلّا لمعرف”.ولم يستثن من الأحياء ممّا يجوز قتله في الحرم وللمحرم إلّا الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور، لحديث عائشة رضي اللّه عنها في الصّحيحين: “أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقتل خمس فواسق في الحلّ والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور”، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما زيادة الحيّة.كذلك حرّمَت المدينة لحديث عليّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “المدينة حرم ما بين عير إلى ثور”، وفي الصّحيحين من حديث عباد بن تميم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “إنّ إبراهيم حرم مكة ودعَا لها وإنّي حرّمتُ المدينة كما حرّم إبراهيم مكة” )انظر: في ظلال القرآن لسيد قطب(.وبعد فإنّها ليست منطقة الأمان في الزّمان والمكان وحدهما وإنّما هي كذلك منطقة الأمان في الضّمير البشري، وقد أقام اللّه هذه المثابة ليَعلم النّاس أنّه عزّ وجلّ يعلم طبائع البشر وحاجاتهم ومكنونات نفوسهم وهتاف أرواحهم، وأنّه يقرّر شرائعه لتلبية الطبائع والحاجات والاستجابة للأشواق والمكنونات فإذا عملوا ذلك انشرحت صدورهم للإسلام الحنيف فإنّهم يجدون فيه من الجمال والتّجاوب والأنس والرّاحة ما لا يعرفه إلّا من ذاق!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات