يمكن تحديد الواقع العربي اليوم من خلال عينات تاريخية جذرية غيرت الوضع السياسي – الاقتصادي رأسا على عقب وهي كالتالي:1948: بروز دولة إسرائيل بعدما هزمت كل الدول العربية.1952: قلب النظام الملكي في مصر.1954: اندلاع حرب التحرير في الجزائر.1956: تأميم قناة السويس في مصر.1967: نكسة الأمة العربية وانتصار إسرائيل على كل الجيوش العربية.1974: تأميم المحروقات في الجزائر.ولقد أحدثت كل هذه العوامل تغييرا جذريا في الكيان الاجتماعي العربي على الخصوص، لسببين اثنين ومتناقضين: الأول يعتمد على التغيير السياسي (سقوط الملكية في مصر والعراق، والانهزامات العسكرية المتتالية أمام الجيش الإسرائيلي)، والثاني يعتمد على التحوّل الاقتصادي الذي طرأ على المجتمعات العربية (الثروة النفطية، أساسا) والذي جعلها تنتقل من بلدان ذات بنية ريفية محضة إلى بلدان ذات بنية مزدوجة، أي ريفية/مدنية، ومن هنا ولدت المدينة العربية بالمعنى الكامل، لذا أصبح من الضروري تغيير النمطية القديمة ذات الطابع القروي والانتقال إلى نمطية مدنية، تجعل من المدينة كيانا اجتماعيا متينا وتُعكس فيها كل هذه التحولات الجذرية بسلبياتها وإيجابياتها، لكن ميلاد هذه النمطية الجديدة تباطأ كثيرا ولم يواكب هذه المستجدات الهائلة، لأن العقلية العربية سياسيا واجتماعيا - السائدة حتى اليوم - لازالت عقلية ريفية تحكم فيها سلطة أبوية، أي دكتاتورية قزمت الشعوب العربية وقدمتها فريسة للدول الغربية التي استعملت الإسلام وتشويهه لفرض بطشها وسيطرتها على الأرض.فالغرب هو الذي كون ونظم ومول التنظيمات الإسلاموية والإرهابية بدءا بالجزائر التي أصبحت مخبرا أساسيا للغرب وعملائه من البلدان الخليجية (1991- 2000)، ثم حروب العراق و«الثورات” العربية وحرب سوريا وهدم الكيان الليبي كدولة، بغض النظر عن اغتيال رئيسه بطريقة متهورة وغير مقبولة، ويتمادى هذا الغرب ”الغريب” فيتلاعب ويتحايل على الأنظمة وعلى الشعوب كذلك.فمثلا لماذا قرر الغرب أن مسيحيي العراق يستحقون كل المساعدات وأن مسيحيي سوريا لا يستحقون شيئا لأنهم ساندوا بشار الأسد، رغم أن مسيحيي العراق هم كذلك ساندوا صدام حسين، والدليل على ذلك الدور الذي لعبه المسيحيون العراقيون في دعم حزب البعث وذلك منذ تأسيسه في بداية القرن العشرين. كذلك يتجاهل الغرب أن نائب الرئيس صدام حسين كان المسيحي طارق عزيز.فالغرب يعلم كل هذه الأمور بجزئياتها وتفاصيلها، لكنه يزعم تجاهلها وهو لا يعرف إلا مبدأ واحدا.ونرى هذه الحيلة الغربية توظف بطريقة شنعاء في الجزائر عندما قرر فرنسوا هولاند إدماج الجزائر في حروبه الصليبية ضد العالم بأسره. وهذا الدليل القاطع على تواطؤ النظام الجزائري الذي ينفي كل مشاركة في الحرب التي قرر الغرب القيام بها في العراق وفي مالي وفي كل أنحاء العالم. وإلا فلماذا كل هذه المشاورات وكل هذه المحادثات وكل هذه الزيارات العسكرية المتبادلة بين الجزائر وفرنسا؟يبقى أن الغرب المتهور الذي لا يهتم إلا بمصالحه الضيقة والانتهازية، لازال يكمل مسيرته التي بدأها منذ قرون الحروب الصليبية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات