“تغييب مؤسسات الضبط الاجتماعي أثّر على الأخلاق العامة”

+ -

 يرى المختص في علم الاجتماع، الأستاذ أوذاينية عمر، أن انتشار ظاهرة التجرؤ على الذات الإلهية، نتيجة حتمية لتغييب دور مؤسسات الضبط الاجتماعي التي كانت تقوم بمهمة الرادع، ما أثّر بشكل سلبي على الأخلاق العامة، محملا المسؤولية إلى الأسرة والمجتمع وغياب السلطة الحقيقية للدولة في تطبيق القوانين.استفحل العنف اللفظي بأشكاله، وتحديدا سب الذات الإلهية في مجتمعنا، فكيف تفسرون هذه الظاهرة كمختص؟ السب والشتم والعنف اللفظي تعبير عن حالات نفسية واجتماعية، ومحاكاة لسلبية الآخر الذي يستعمل نفس الأسلوب مع منهم أقل منه شأنا، فكل شخص يمارس “الحڤرة” على من هو أضعف منه، وهذا السلوك مخالف لطبيعة النفس البشرية السليمة في جميع الأديان السماوية التي تقدس الله وقدرته وعظمته وتعمل على عبادته وفق ما جاء في تعاليم الدين.والأسرة باعتبارها القاعدة الأساسية في المجتمع هي التي تزرع هذه القيم وتلقنها للأطفال، من خلال التنشئة الاجتماعية. لكن إذا كانت الأسرة تفتقد في الأساس إلى هذه القاعدة لعدة اعتبارات تاريخية وثقافية واجتماعية، فكيف ستلقنها لأبنائها؟إذن من يتحمل المسؤولية؟ هناك عدة عوامل ساهمت في استفحال الظاهرة، فغداة الاستقلال، وبعد الخروج من (استدمار) عمل على تجهيل الشعب وتغييب الشخصية الجزائرية، كان هناك مشروع لتغيير البنى الثقافية للمجتمع وبناء الشخصية الجزائرية العربية المغاربية والمسلمة، لتكوين مجتمع متحضر، وهذا كان يقتضي وضع برامج للمنظومة التربوية والاجتماعية، من أجل إعطاء هذا المضمون الحي للشخصية الجزائرية.لكن في ظل غياب كل هذه المقومات والاستخدام السيئ لوسائل الاتصال الاجتماعي وغياب الضبط الاجتماعي الحقيقي داخل الأسرة والحي والمؤسسات والمحيط العام، كل هذا أثر بشكل سلبي على الأخلاق العامة، دون أن نغفل غياب السلطة الحقيقية للدولة في تطبيق القوانين.هل يمكن أن توضحوا أكثر؟ مع مرور السنوات، ألغينا الكثير من هذه المؤسسات دون أن نجد بدائل لها. مثلا في الماضي كان هناك نظام لجنة القرية في الريف أو لجنة الحي في المدينة، المعروفة في بعض المناطق بـ«جماعة العشرة” أو “تاجماعت” في منطقة القبائل التي تعتبر نظام مجتمع قائما بذاته، وتقابل هذه المؤسسة في المدن جمعيات المجتمع المدني، حيث تفرض قوانين يحترمها الجميع وتسهر على التزامهم بها، وأي فرد يخرج عن النظام العام يعاقب.مثلا في حال التجرؤ على المقدسات، تتم مقاطعة الشخص، بمعنى أن لا يردوا عليه السلام وأن لا يتعاملوا معه بأي شأن من الشؤون، إلى أن يتوب ويرجع عن ذنبه، وهذا يسمى بالجزاء الاجتماعي. لكن، للأسف، هذا النظام تم تغييبه والقليل فقط من القرى لاتزال تحافظ عليه، كما لم يحظ بالعناية التامة من السلطات، رغم أهمية دوره.الحديث عن مؤسسات الضبط الاجتماعي يحيلنا أيضا على الكشافة الإسلامية التي كانت تحتضن أبناءنا، وكانت أداة مهمة للتربية والضبط.. الكشافة مدرسة للتكوين والأخلاق وزرع المبادئ والقيم وروح المواطنة، خاصة في سن الثامنة والعاشرة، لكن لم نولها الأهمية التي تستحقها، وأصبحت اليوم أداة للاستهلاك الإعلامي فقط بما يخدم تيارا معينا، والسلطة مسؤولة عن تغييب هذه المؤسسات غير الرسمية التي كانت كفيلة بتجنيب المجتمع الكثير من الظواهر السلبية. وأريد أن أضيف ملاحظة وهي لا يمكن أن نتحدث عن استفحال العنف اللفظي في المجتمع، دون أن نتوقف عند الحوار بين التيارات السياسية الذي تنقله الفضائيات، حوارهم غالبا صراع وتحدٍ تغيب فيه آداب الحديث، لا يتوانون فيه حتى عن الشتم وقول كلام لا يليق أن يقال عبر التلفزيون.يفترض بهؤلاء، وأخص بالذكر مسؤولي الأحزاب السياسية، أن يرقوا بحواراتهم إلى مستوى الطرح السياسي في الشكل والمضمون، وأن يقدموا نموذجا للمجتمع المدني وأن يكونوا قدوة للمجتمع، لكن في الوقع هؤلاء لم يبلغوا هذا المستوى من النضج، وهم يحتاجون حقا إلى إعادة تأهيل سياسي حتى يرقوا إلى أن يكونوا قدوة للآخرين.وما الحل في رأيكم لعلاج الظاهرة؟نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل مؤسسات الضبط التقليدية وتفعيل دور الجمعيات التي تعنى بالشباب والطفولة، وكذا الجمعيات الرياضية وتلك التي تهتم بالأسرة تحديدا. ففي غياب التأهيل الأسري كيف ننتظر أن يكون الطفل صالحا؟ والأهم نحن بحاجة إلى قدوة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: