“نطالب بمفتٍ عام يفصل في إقامة الحدود الشرعية”

+ -

ما معنى الرِّدّة؟ الرِّدّة في مفهومها اللّغوي مشتقّة من الارتداد والرّجوع والنّكوص على مبدأ أو على هدف أو الخروج من دين إلى غير ذلك، وفي الاصطلاح عندنا نحن معاشر المسلمين رفض الإسلام والخروج منه بأن ينكر المسلم حكمًا من الشّرع أو يرفض فرضًا كما فعل الّذين منعوا الزّكاة ولم يقبلوا بدفع الزّكاة، وكل مَن خالف أصلاً من أصول الدّين أو رفض حكمًا من الشّريعة معلومًا بالضرورة من الدّين فيعتبر أنّه مرتد، وكذلك إذا أبطل بالنّية ورفض الإسلام علنًا فإنه يعتبر من المرتدين.وما حكم الشّرع فيمَن يسبّ الله تعالى أو يسبّ الدّين؟ لابدّ أن يكون الحكم فيها أو الإفتاء فيها بالنسبة للسبّ درجات، هناك السبّ المكروه، وهناك السبّ الحرام، وهناك أيضًا السبّ الّذي يُخرج من الملّة. فمَن سبّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم وسبّ الدّين الإسلامي وكان واعيًا وفاهمًا لهذه المعاني، فإنّ ذلك يعتبر رِدّة وخروجًا من الإسلام، وعليه أن يتوب وأن يعود إلى الإسلام.وحكم المرتد في الإسلام إذا أعلن إلحاده وفسقه وخروجه من الدّين وراح يشنّع أمام النّاس، حكمه أنه يُستتاب من قبل قاضي المسلمين، أو يُحكَم عليه بالقتل لأنّه من الّذين تُهدَر دماؤهم وهم: الخارج من دينه المفارق للجماعة وقاتل النّفس بغير حقّ وكذلك الثيّب الزّاني أي المتزوج الزّاني، هؤلاء الثلاثة الّذين بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنّهم تُهدَر دماؤهم. لكن ينبغي أن نفهم قضيتين: الأولى أنّ الّذي يحكم بهذا هو قاضي المسلمين لأنّ الإسلام نظام وليس كلّ واحد يوقِّع الحكم أو يقيم الحدّ، والّذي يفتي ويقيم الحدّ هو مفتي المسلمين، وفي وقتنا هذا نقول بأنّ لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدّينية أو لجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى. والمفروض، بهذه المناسبة، أن نقول إنه يجب أن يكون هنالك مفتي الديار الإسلامية عامة أو على مستوى كلّ بلد كالجزائر، ينبغي أن يكون لدينا مفتٍ عام هو الّذي يفصل في هذه القضايا المصيرية بالنسبة لإقامة الحدود الشّرعية، والمفتي العام هو القاضي العام ويستشير العلماء مجلس شورى أو مجلس علمي إلى غير ذلك.كيف تنظرون إلى مَن يتجرأ على سبّ الله والدّين؟ لابدّ أن نعالج هذه القضايا من أصولها وجذورها، فماذا ننتظر من التّاركين للصّلاة والمتسكّعين في الطّرقات والشّاربين للخمر والمتعاطين للمخدّرات؟ ننتظر منهم هذا الفسوق والعصيان وسبّ الدّين إلى غير ذلك، ولابدّ أيضًا أن يُطرَح سؤال آخر وهو: كيف نحمي هؤلاء الشّباب؟ لقد تحدثت في خطبة الجمعة اليوم عن التّحصين الثقافي للشّباب، وقلت لابدّ من اعتماد التّربية النّبويّة، وليس المهم أن نحكم على زيد أو عمر أو علان أو فلان بأنّه فعل كذا أو كذا، وإنّما ننظر إليهم بأنهم ضائعون، لا يأتي لكي يُصلّي ولا يَسمع خطبة الإمام ولا يسمع الدّروس أو المحاضرات على التلفزيون أو الشّبكة العنكبوتية أو الجرائد أو المجلات، وربُّنا عزّ وجلّ يقول {وما كنّا مُعذّبين حتّى نبعث رسولاً} يعني حتّى يُبلّغ لهم الرّسالة.ما واجب العلماء ووليّ الأمر وحتّى عامة النّاس تجاه من يسبّ الله والدّين؟ على العلماء والحكام والمسؤولين، ومن المسؤولين رجال الإعلام، أن يعملوا على تنظيم ملتقيات وندوات قرآنية، يستدعى فيها الشّباب خاصّة وهؤلاء الّذين يُنظر إليهم بأنّهم غير عاديين من بطالين. وقد جاء في الأثر أنّ “البِطالة تُقصِّي القلب”، نحن نتساءل لماذا يُلقي شبابنا بنفسه إلى البحر، أو يُقتل بالخنجر أو يسرق؟ لماذا وصل إلى هناك؟ لأنّنا لم نشغّله ولم نُعلّمه حرفة، ولابدّ أن نعالج هذه القضايا من جذورها، وإذا أردنا أن نبني مجتمعًا فاضلا فلابدّ أن نهتم بالشّباب، والاهتمام بهم ليس بالضرب أو الزجر فقط أو السجن أو الحكم عليهم، وإنّما يكون كما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لذلك الشّاب الّذي قال له: “أتأذن لي في الزِّنا يا رسول الله؟” والصّحابة كلّهم انتفضوا وقالوا كيف يأذن لك رسول الله في الزّنا، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “ادن منّي أعلّمك، هل ترضاه.. هل ترضاه.. هل ترضاه”.أردتُ من هذا أنّه من الواجب علينا أن نستدعي وليس أن ندعو الشّباب رسميًا، لكن من يقوم بهذا؟ ليس الإمام وحده ولا رجل الإعلام وحده، فلابدّ من مؤسسات الأمن ومؤسسات الشّؤون الدّينية ومؤسسات الإدارة العامة كالبلدية والدائرة والولاية، ولابدّ من رجال الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لابدّ أن نتعاون جميعًا خدمة لهذا الشّباب، والله تعالى يقول: {واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّة}. لقد فات وقت الغرور عندما كان الواحد يشتغل بأبنائه ويترك أبناء النّاس، والمعروف لدينا أنّك إذا انشغلتَ بنفسك وأهملت فئة أو شريحة من الشّباب فاعلم أنّه ستحدث فوضى، فلابدّ من التربية الشّاملة للمجتمع.وواجب عامة النّاس تجاه هؤلاء الشباب هو النُّصح، فقد كان الصّحابة يقولون كنّا نبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام والنّصح لكلّ المسلمين، وأن نستقيم نحن في أعمالنا، وكلّ واحد مسؤول عن تربية أبنائه. فنسأل الله العافية وأن يحفَظ شبابنا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: