+ -

شرع اللّه العبادات والشعائر لحكم عظيمة وغايات جليلة، لا ليضيق بها على النّاس، ولا ليجعل عليهم في الدّين من حرج، ولكلّ عبادة في الإسلام حكم بالغة يظهر بعضها بالنّص عليها، أو بأدنى تدبّر، وقد يخفى بعضها  إلّا على المتأمّلين الموفّقين في الاستجلاء والاستنباط. فالحجّ من أعظم المواسم الّتي يتربّى فيها العبد على تقوى اللّه عزّ وجلّ، وتعظيم شعائره وحرماته، قال سبحانه وتعالى في آيات الحجّ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللّه فَإنّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب} الحجّ:32، وأَمَرَ الحجيج بالتزوُّد من التّقوى، فقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّه وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} البقرة:197، وبيّن أنّ المعنى الّذي شرع من أجله الهدي والأضاحي إنّما هو تحصيل هذه التّقوى، فقال سبحانه {لَنْ يَنَالَ اللّه لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم} الحجّ:32.والحجّ يُعين المؤمن على إقامة ذِكْر اللّه تعالى، فالذِّكر هو المقصود الأعظم للعبادات؛ فما شرعت العبادات إلّا لأجله، وما تقرَّب المتقرّبون بمثله. فما شُرِع الطّواف بالبيت العتيق، ولا السّعي بين الصّفا والمروة، ولا رمي الجمار إلّا لإقامة ذِكْر اللّه، قال اللّه تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّه فِي أيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} الحجّ:28.والحجّ يربّي المسلم على معاني الارتباط بقبلتهم الّتي يُوَلّون وجوههم شطرها في صلواتهم المفروضة خمس مرّات في اليوم. كما أنّه فرصة عظيمة للإقبال على اللّه بشتّى القُرُبات، إذ يجتمع فيه من العبادات ما لا يجتمع في غيره؛ فيشارك الحجّ غيره من الأوقات بالصّلوات وغيرها من العبادات الّتي تفعل في الحجّ وغير الحجّ، وينفرد بالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، وإراقة الدِّماء، وغير ذلك من أعمال الحجّ.ويُثير في النّفس الشّعور بالأخوة بين المؤمنين، وضرورة الوحدة فيما بينهم، فالحجّاج يجتمعون في مكان واحد وزمان واحد وهيئة واحدة، يدعون إلها واحدًا، غايتهم واحدة، ووجهتهم واحدة، فيشعر الحاجّ أنّ هذه الأمّة تملك من مقوّمات الوحدة والاجتماع ما لا تملكه أمّة من أمم الأرض، وأنّ بإمكانها أن تصنع الشّيء الكثير إذا ما توحّدت الصّفوف وتآلّفت القلوب واجتمعت الكلمة، وهو شعور عظيم لا يشعر به الإنسان مثلما يشعر به في هذه المواطن العظيمة.كما يُعدّ الحجّ وسيلة عظمى لحطّ السَّيِّئات، ورفعة الدرجات، فهو يهدم ما كان قبله، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعمرو بن العاص رضي اللّه عنه: “أمَا علمتَ أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله، وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله” رواه مسلم.ويُذَكِّر المؤمن باليوم الآخر وما فيه من أهوال عظيمة يشيب لهولها الوِلدان، عندما يرى الإنسان في هذا الموطن زحام النّاس واختلاطهم وارتفاع أصواتهم وضجيجهم، وهم في صعيد واحد، ولباس واحد، قد تجرّدوا من متع الدّنيا وزينتها، فيذكر بذلك يوم العرض على اللّه حين يقف العباد في عرصات القيامة حُفاة عُراة غرلاً، وقد دنت الشّمس من رؤوسهم، فيحثّه ذلك على العمل للآخرة والاستعداد ليوم المعاد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: