ينتابك حزن شديد، وأنت تنتهي من قراءة نتف من حياة الشاعر جان سيناك. يمتزج ذاك الحزن بشعور بالمأساة، وإحساس بأنه كان شاعرا مغضوب عليه. ساير الاتجاه الصحيح مرتين (مساندة الثورة، وخيار التعدد العرقي لما بعد الثورة)، لكنه وقع في الوحل ولسعته ضربات سوء الفهم، وقسوة من يرفض السير على طريق الحلم واليوتوبيا. قتل بخنجر شعبوي، وتهجم عليه المثقفون بدءا من كاتب ياسين إلى مصطفى الأشرف مرورا بمالك بن نبي. وكان صاحب رواية “نجمة” قد تهجم عليه بسبب هذا المقطع الشعري “أنت جميلة مثل لجنة التسيير الذاتي”.
لم يرأف عليه سوى الرئيس أحمد بن بلة. وكانت حياته تراجيديا عصرية نبتت في أرض الخراب. مات في أواخر أيام الصيف. قتله شاب قيل إنه مجنون. بقر صدره بـ23 ضربة خنجر، وهشم رأسه على الحائط، وتركه مقتولا بين سريرين في بيته الكائن بـ2 شارع اليزي – روكلي. كان يسكن في فيلا “فينيزيا” في “بوانت بيسكاد” بالعاصمة، كانت تطل على البحر وتليق بشاعر حالم مثله. لكن بعد الانقلاب الذي قاده العقيد بومدين طردوه منها، فجاء للعيش في هذا القبو الحقير الذي قتلوه فيه. لقي نفس مصير صديقه الرئيس المخلوع أحمد بن بلة. كان يبادله الصداقة ويحفظ أشعاري. وكان يثق فيه ثقة عمياء. لم تتوقف مأساته عند هذا الحد، فقد طردوه من عمله بالإذاعة، ووجد نفسه دون راتب شهري يعيش بمساعدة الرفاق. حرموه من رؤية النجوم وهدير الأمواج،والسماء الصافية. قتلوا “الڤاوري” بعد أن كان الأطفال يشتمونه، يرمونه بالحجارة، ويسخرون منه، وهو يعبر شوارع المدينة بملابس رثة.. كان يرتدي جلابية بيضاء، متسخة، وحقيرة. وينتعل صندلا متهرئا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات