في الغالب، عندما لا نملك الحلول نتخبط في التبريرات الغريبة، بل حتى في الحلول الأغرب والتصريحات المتناثرة هنا وهناك، كمن يبحث عن إخماد النار فقط وبعدها يعود إلى النوم، ولا يهمه الخسائر، ولا يبحث عن الأسباب الحقيقية للحريق ليتفاداه مرة أخرى، هو يريد النوم فلا تزعجوه، هكذا هي دولتنا الموقرة فلا تزعجوها بقضايا العنف ولا موت لاعب ولا حتى انهيار عمارة ولا سقوط طائرة، دولتنا تريد النوم في العسل الأسود.. قضية العنف في المجتمع الجزائري لا يتعلق حلها بذهاب شخص أو رحيل شخص أو حتى موت شخص، القضية ضاربة جذورها في المجتمع الجزائري وهي نتيجة سياسة “البريكولاج” التي تتبناها الدولة منذ سنوات في كل المجالات والقطاعات والقضايا. هاهي الدولة النائمة في العسل الأسود تجد الحل السحري لقضية العنف في الملاعب، فكرة خارقة تلك التي خرج بها وزير الرياضة محمد تهمي، كاميرات المراقبة إجبارية في الملاعب، هذا هو الحل الذي توصل إليه وزير الرياضة، هو حل استعجالي، ليس للحد من العنف في الملاعب، ولكن فقط طريقة للقبض عمن يسبب العنف، ليأتي بعد سنة أو أقل العفو الرئاسي والعفو عن كل الشيء طبعا، و “سيأكل” تهمي كاميراته ولا يستفيد إلا مستوردو الكاميرات من القضية، ويا ترى من يستورد هذه الكاميرات ومن أين؟ بينما سيتجه المجتمع لمزيد من العنف الذي لا تنفع معه كاميرات هوليوود كلها.أتذكر يوما أنني قرأت في إحدى الجرائد أن شابا دخل السجن لأنه حاول الاعتداء على شاب آخر، وبعد أن تم العفو عنه خرج وقتل ذلك الشاب وأكمل جريمته ببرودة أعصاب.. منطق اللاعقاب الذي يحكم المجتمع جعلنا “قطيعا بلا راعٍ”، وقطيعا من وحوش إلا من رحم ربك. إننا بحاجة يا سيدي الوزير إلى جعل الجزائر التي صنفت من 10 دول الأسوأ للعيش، كلها استوديو مفتوح على الهواء الطلق، ونضع كاميرات في كل مكان، في الملعب والمقاهي وفي الطرقات والإدارات والطائرات والقطارات والعبّارات (الموضة الجديدة للسرقة والاعتداء) والأسواق، وحتى في المدارس والثانويات والحرم الجامعية، حيث أصبح الشباب يدخلها بالأسلحة البيضاء.. ويا حسرتي على كلمة حَرَم، بل يمكن أن نقول الإسطبل الجامعي، مع اعتذاري لطلبة العلم والأساتذة الكرام. بل ونضع الكاميرات حتى في أروقة الفن والثقافة التي من المفروض أن يديرها أناس يتمتعون بلباقة وأدب وذوق، هناك أيضا علينا أن نضع كاميرا، وحتى في المنازل، لنقف على العنف الذي يمارسه الأفراد بين بعضهم في العائلة الواحدة.. لأن العنف لا يقتصر على القتل بل القتل أو الاعتداء الجسدي هو خاتمة لعنف سابق يبدأ من العنف اللفظي والفكري والديني وغيرها.. العنف الجسدي نتيجة حتمية لتراكمات من أنواع عديدة من العنف الممارس والمسموح به.. علينا أن نضع له حدا.. وكم يلزمنا من قوانين وكاميرات لنحد من العنف الموجود داخلنا والذي نبرزه عبر الألفاظ والأفعال والنظرات وغياب الابتسامة والتكشيرة الدائمة التي لا تفارق وجوه بعضنا.. إن المجتمع الجزائري الذي فقد مع السنوات كل مرجعية أخلاقية في تعامله يحتاج فعلا إلى وضع منظومة قانونية وعقابية لإعادة القطار إلى السكة.. ونعيد النظر بمناسبة الدخول المدرسي في أسس التربية والتعليم، بعد أن فقد هذا القطاع الذي يعد ركيزة الأمم الصفتين المتلازمتين، فلا تربية ولا تعليم.. وأن نعيد للجامعة حرمتها وللمؤسسات العقابية دورها الحقيقي في إعادة تأهيل الفرد المواطن.. وأن نكف عن سياسيات اللاعقاب وشراء السلم الاجتماعي بكل الطرق، ومنها السكوت عن الخطأ وترك المجتمع يهيم على “حل شعره”[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات