يترقب الجزائريون شروع البرلمان في دراسة مشروع رفع دمغة جواز السفر البيومتري إلى 10 آلاف دينار بعد أن كان 2000 دينار، فيما فضل آخرون عدم التريث والشروع حاليا في استخراج جوازات سفر بالدمغة القديمة، حيث تشهد الدوائر الإدارية في العاصمة اكتظاظا غير مسبوق، وغرقت الشبابيك في طوابير لا متناهية تتشكل بدءا من السادسة صباحا. بمجرد أن تطأ قدماك دوائر سيدي أمحمد وبوزريعة وبئر مراد رايس والشراقة بالعاصمة، ترى عيناك القاعات تعج بالمواطنين، وتلمس استياء للمواطنين بسبب طول الانتظار، حينها يُحيلك هذا المشهد إلى تصريح ”الحرب على البيروقراطية” الذي يُكرره المسؤولون في كل مناسبة، فلا تجد أثرا له على الواقع.ففي إطلالة في سجل الملاحظات بشباك الاستقبال بدائرة سيدي أمحمد، كأول خطوة لمعرفة واقع يوميات المواطن في الدوائر الإدارية في العاصمة، رصدنا بعض صرخات المواطنين رغم أنه لا يمثل كل الواقع، لأن أغلب الوافدين إلى الإدارات الجزائرية لا يسجلون انطباعاتهم حول الخدمات، ما أكدته الملاحظات القليلة بالسجل، فهي تعكس جزءا بسيطا من الواقع وليس كله.وكانت أول صفحة استقر عليها بصرنا ملاحظة اختزلت كل معاناة المواطنين، فوصف كاتبها البيروقراطية بالغصة الجاثمة على صدور المواطنين، في حين عبر آخر أن جواز السفر لا يزال يخصص له الجزائري وقتا كبيرا من حياته لاستخراجه، بينما في دول أخرى لا يتطلب هذا الأمر سوى بضع دقائق.في دائرة بئر مراد رايس بالعاصمة، أصبح المواطنون يستيقظون باكرا لحجز مكان لهم في الطابور للظفر بدور دفع الملف، حيث قال لنا أحد المواطنين إنه لم يكن يتوقع أن يدفع قرار الحكومة برفع دمغة جواز السفر من ألفين دينار إلى 10 آلاف دينار إلى حدوث أزمة في الدوائر الإدارية، خاصة أنها تتزامن مع الدخول الاجتماعي.وبدخولك إلى بهو الدائرة الإدارية، تخبرك تقاسيم وجوه المواطنين وإيماءاتهم بأنهم سئموا الانتظار. وفي هذا السياق استرسل أحد الأشخاص قائلا ”لا مفر من العراقيل والصعوبات، فهذا الوضع أصبح جزءا من حياتنا، بل لم نعد نتخيل حياتنا دونه”.شهران لسحب جواز السفروعن المدة التي ينتظرها المواطن كي يسحب جواز سفره، أجابنا الموظف بأنه شهر بالضبط، فيما نفى صديقه محمد ذلك قائلا إن المدة قد تصل إلى شهرين ومرشحة للارتفاع في ظل توافد الآلاف من المواطنين على الدائرة لاستخراج جوازات جديدة بضريبة دمغة ألفي دينار جزائري، قبل دخول قرار رفع الضريبة إلى 10 آلاف دينار.ولا تزال حادثة أم درمان راسخة في الأذهان خاصة عند أولئك الذين سحبوا جواز سفرهم في نفس اليوم الذي أودعوا فيه ملفاتهم، رغم أن الإجراءات كانت ثقيلة والوثائق كثيرة، ورغم عملية البحث الاجتماعي والأمني التي تقوم بها مصالح الأمن على طالبي الجواز.دائرة بوزريعة تضيق بالمواطنينوبوصولنا إلى دائرة بوزريعة، قال محمد وهو يحمل ملفه بيمينه، إن المشهد بالدوائر لم يعرف تغيرا لافتا، رغم الحرب التي أعلنتها الحكومة على البيروقراطية، للتّخفيف من وطأة الإجراءات الإدارية المعقدة، فتحويل آلية تقديم ملف جواز السفر من طريقة أخذ موعد إلى إيداعه في أي وقت، لم تعد نافعة أمام تدفق المواطنين بعد مشروع رفع رسم الدمغة إلى 10 آلاف دينار جزائري.ولم يخف أحد المواطنين قصته مع دائرة بوزريعة، حين ضاع ملفه واختلط مع الأرشيف بعد عناء تشكيله قبل شهرين من الآن، وكيف تعامل الموظفون مع حالته حين طلبوا منه إعادة إحضار ملف جديد، لتجنب عناء البحث في الأدراج والأرشيف نظرا لآلاف الملفات المتراكمة عليهم.وبعدما باءت كل محاولات المواطن بالفشل لإيجاد ملفه أمام تعنت الموظفين ورفضهم البحث، ما دفعه إلى الاتصال مباشرة برئيس الدائرة الذي طلب منه تقديم انشغالاته كتابيا باعتبار أن لديه وصلا يثبت بأنه قدم الملف، وهو الأمر الذي مكنه من ممارسة الضغط عليهم، وأعطى رئيس الدائرة تعليمات صارمة لعناصره للبحث في الأرشيف، وهو الأمر الذي تم فيما بعد.سهولة في سحب الجواز وصعوبة في السفروتُحيلنا عملية تسهيل إيداع وسحب جوازات السفر وإقبال الآلاف من المواطنين على الدوائر الإدارية، على تساؤل بخصوص استعمال كل هؤلاء الأشخاص لهذه الوثيقة الرسمية التي دونها لا يمكنهم مغادرة التراب الوطني أو الرجوع إليه، ومدى ضرورتها في يوميات الجزائري، وإدراجها كأول شيء يجب تسهيله في إطار محاربة البيروقراطية مقارنة بوضعيته الاجتماعية.غياب الاستمارات على مستوى الشبابيكوالغريب في دائرة بوزريعة هو عدم توفر الاستمارات الخاصة بملف جواز السفر في الشبابيك، في حين أنها موجودة لدى الأكشاك المجاورة للدائرة، عكس دائرة سيدي أمحمد التي تمنحها بمجرد طلبها. وأثناء دردشتنا مع كهل كان ينتظر دوره لوضع ملفه، أبدى ساخرا أن الطوابير شيء حتمي في حياتنا، وسيزال يرافقنا حيثما تواجدنا، وهي إشارة منه إلى أن الطوابير لازمت سنوات عمره كلها. وإذا كانت هذه ”الحرب” حاضرة بقوة على لسان المسؤولين أثناء تصريحاتهم بتقليص عدد الوثائق اللازمة لاستخراج جواز سفر، فإن حالة الاكتظاظ والطوابير لا تزال هي الأخرى المشهد اليومي في الإدارة الجزائرية. لكن تبقى هذه التسهيلات النسبية التي طالت ملف جواز السفر دائما غير كافية بالمقارنة مع دول أخرى، أين أصبح المواطن فيها يستخرج كل وثائقه من سرير غرفة النوم، بينما لا يزال الجزائريون يودعون أعدادا لا متناهية من الملفات في الإدارات. تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2015 في المادة رقم 136 تحديد سعر جديد لدمغة جواز السفر البيومتري، حيث تم رفع قيمتها من 2000 دينار إلى 10 آلاف دينار.وبررت وزارة المالية هذه الزيادة بتمديد صلاحية جواز السفر إلى عشر سنوات، ومحاولة السلطات تغطية تكاليف صناعة جواز السفر البيومتري الذي يتطلب آليات تكنولوجية متطورة ومكلفة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات