التاريخ يتصدر الجدل السينمائي في البندقية

+ -

يروي فيلم “بعيدا عن الرجال” قصة مدرس إسباني يعيش مع بداية الثورة التحريرية الجزائرية في جبال الأطلس، ويعاين معيشة الأهالي عن قرب بين الجبال، حيث يبدأ ما تسميه فرنسا التمرد، ويقف البطل على حجم ما فعله الجيش الفرنسي في ذلك الوقت، دون مصور ولا كاميرا توثق ذلك. يقول مخرج الفيلم الفرنسي دافيد اولهوفن في ندوة صحفية بمهرجان البندقية، بعد عرض فيلمه أول أمس، “نحن لا نحاكم التاريخ، هذه الأشياء حدثت وعلينا أن نرويها”.تعود السينما من بعيد في مهرجان البندقية “فينيسيا” المنعقد حاليا، ويتواصل إلى غاية 6 سبتمبر القادم لتبحث في دفاتر التاريخ وتستلهم منه قصصها المثيرة للجدل والتساؤل، في هذا الاتجاه يدخل الفيلم الفرنسي الهوليودي “بعيدا عن الرجال” والفيلم الأرميني “دوكوت”، حيث يقدم الأول بعض مشاهد الوحشية الفرنسية بداية الثورة 1954، بينما يقدم الثاني المجزرة التي ارتكبها الأتراك في حق الأرمن.حدثان تاريخيان يصنعان أيام مهرجان البندقية بإيطاليا، ما تسميه فرنسا حرب الجزائر أو الثورة التحريرية الجزائرية وإبادة الأرمن، والقضيتان رغم مرور الزمن ما زالتا محل تجاذب سياسي بين الطرفين: سواء الجزائر وفرنسا أو تركيا وأرمينيا. وكما يثير الحدثان النقاش تاريخيا فلا يختلف الأمر حولهما سينمائيا، إذ بدأت الأسئلة تطرح حول فيلم “بعيدا عن الرجال” وأي طرف اتخذه، هل هو فيلم يدافع عن الحقيقة التاريخية أو يدين الأفعال ضد الإنسانية أو هو مجرد تسجيل تاريخي مأخوذ عن رواية أحد أبناء المعمرين ألبير كامو عن نص “الضيف” من مجموعته القصصية “المنفى والملكوت”؟ويعتبر الفيلم السينمائي الطويل “بعيدا عن الرجال” الثاني للمخرج الفرنسي دافيد اولهوفن الأكثر إثارة للجدل، ليس فقط كونه يضم الممثل الأمريكي العالمي النجم فيغو مورتنسن، وليس أيضا لأنه مقتبس عن قصة الكاتب المعروف “ألبير كامو”، ولكن لأن موضوع الثورة بين الجزائر وفرنسا كان دائما أحد المواضيع الأكثر إثارة للجدل، وكثير من المتتبعين يتذكرون ما أثاره فيلم “خارجون عن القانون” للمخرج رشيد بوشارب عند عرضه في مهرجان كان، وصل إلى حد التهديد بتفجير قاعات السينما، بالإضافة إلى مظاهرات قبيل عرضه.يروي فيلم “بعيدا عن الرجال” قصة مدرس إسباني يتكلم العربية جاء لمساعدة أهالي إحدى القرى النائية في عمق جبال الأطلس، ويعايش مدى التهميش والغبن الذي يعيشه الأهالي، ويتقاطع مصيره مع محمد (يؤدي الدور رضا كاتب) قروي متهم بجريمة قتل، وينحرف مسار حياة الاثنين عندما يُكلَّف “دارو” المدرس باصطحاب محمد إلى قرية أخرى بعيدة عن قريته من أجل محاكمته، وهنا تبدأ القصة في التعقيد، عندما يتتبع مقاتلون جزائريون الاثنين من أجل الانتقام من محمد، بينما يقوم  معمرون فرنسيون بنفس الشيء ضد الاثنين، فتبدأ عملية المطاردة وأيضا الدفاع عن النفس، ويتعمق الأستاذ في عمق الصراع الجزائري الفرنسي ليكتشف حقائق كثيرة.يقول المخرج في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية  “نص كامو مقتضب جدا لكنه يتمتع بجمالية خارقة، يصور الصحراء وسجينا يجب اصطحابه للمحاكمة، ويتحدث أيضا عن الالتزام السياسي وصعوبة أن نرى بوضوح في عالم حيث العنف يجرف الجميع”. لم يعجب الفرنسيون في الندوة الصحفية طرح المخرج، فيسأل الصحفي الفرنسي  “بما أن الفيلم حوى مشاهد عنف من الطرفين، نرى في إحدى مشاهده أنك تحاملت على الجيش الفرنسي، خاصة في مشهد يبين جزائريين يقتلون من طرف جنود فرنسيين، في الوقت الذي كانوا يسلمون أنفسهم، ويصف “دارو” الفعل بجملة “هذه جريمة حرب”، ويضيف الصحفي “إن هذا يمكن أن يعيد إحياء بعض الجراح من طرفي المتوسط”، يقصد الجزائر وفرنسا.ويدافع المخرج دافيد عن رؤية الفيلم بقوله “لا توجد نية لإثارة الجدال، وإن حصل فهذا سيكون رغما عني”، مواصلا دفاعه بقوله “إنه أمر سهل أن نحاكم الاستعمار بعد 60 سنة، والذي كان مأزقا تاريخيا، كل ما في الأمر أنه كان هناك في منطقة من الأطلس سنة 1954، قتل الجيش الفرنسي نحو 50 جزائريا، وهذه حقيقة تاريخية”، مضيفا “يجب أن نعرض الأشياء كما وقعت”. ومن المتوقع أن يعرض الفيلم في فرنسا جانفي 2015، ومن المتوقع أيضا أن يثير جدلا كبيرا إن تعارض مع أطروحات الفرنسيين خاصة اليمين المتطرف.في الجانب الشرقي من العالم، يغوص بنا المخرج الألماني ذو الأصول التركية فتيح حاكين في موضوع مشابه وواقعة تاريخية أخرى تعود إلى سنوات 1915 في صلب المجازر الأرمينية، في فيلم بعنوان “دو كوث”، وهو الجزء الثالث من ثلاثية المخرج  “الحب، الموت والشيطان”. يمثل الدور الرئيسي في الفيلم الفرانكو جزائري طاهر رحيم الحائز على جائزة سيزار الفرنسية لأحسن ممثل سنة 2010 عن فيلم “الرسول” للمخرج كاط أوديار. يجسد رحيم دور أب ينجو من المجزرة ويدرك بعد استعادة عافيته أن ابنتيه التوأم على قيد الحياة، فتبدأ رحلة البحث وقصة الفيلم المعقدة والمؤثرة جدا. ويعتبر رحيم من بين الأسماء المرشحة لنيل إحدى الجوائز عن دوره الذي وصفه النقاد بعد العرض بالمميز والحضور القوي. كما يشاركه الممثل الفرنسي ذو الأصول الأرمينية الذي يرى أن هذا الفيلم كان ينتظره الأرمن منذ وقت طويل، ولكن فيلما واحدا لا يكفي”، مضيفا لوكالة الأنباء الفرنسية “الأتراك يعلمون أهمية السينما وخطورة الحديث عن هذه المجزرة، ولذلك سيعملون ما في وسعهم لعرقلة ذلك”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: