الكثير قال إن تنحية (بلخادم) ومحتوى البيان الذي عُمم بشأنها حمل نكهة “انتقام” قوية. ولكن الكل يعلم أن الشخص في نظام الولاء محكوم باعتبارات لا علاقة لها في الغالب بالقانون ولا بالمنطق، المطلوب دائما هو الطاعة والطاعة فقط والتسبيح بحمد صاحب النعمة! وكما ردد السيد مولود حمروش في الفترة الأخيرة، لم يعد هناك تمييز بين سلطة التعيين وسلطة القانون، والخضوع في نظام الولاء هو لسلطة التعيين فقط.إن التركيز على محاولة فهم دواعي القرار أمر غير ذي فائدة تذكر.أولا الأمر داخلي يخص ليس السلطة بل (جماعة الرئيس!) فقط، وثانيا لن يحمل مثل هذا القرار أي تغيير في معطيات ممارسة السلطة أو في توزيع النفوذ بين مختلف الجماعات والعصب المتنفذة.آليات اتخاذ القرار هنا واضح أنها لم تخضع،في بعض جوانبها لاعتبارات تميز بين ما هو من صميم صلاحيات الرئيس وما هو مفترض أنه ليس من صلاحياته. ولكن القرار تعامل مع الأمر بشكل واقعي، فالرئيس يعتبر أن جبهة التحرير مجرد جهاز تابع له شخصيا وهو يوظفه باعتباره امتدادا لسلطته، وعندما لم يتقيد الرئيس بالشكليات، فليس لأنه لا يعرفها أو تجاهلها معدو القرار من المقربين منه، بل ربما قام بذلك بشكل أصر عليه وعلى ما حمله من رسائل. سواء فهمنا مدلولاتها بشكل صحيح أو لم نفهمها.يحدث هذا، وفي حق رجل كان لصيقا بالرئيس، بل كدنا نعتقد أن السلطة لم تعد تملك في عهد الرئيس بوتفليقة إلا رجلين يتداولان سياسيا في قربهما منه وفي تولي المسؤوليات الكبرى: عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحيى. ثم قيل إن الرجلين يمثلان طرفي سلطة فعلية، وأنهما في تنافس واضح. ولكن كل هذه أمور ليس لها مغزى إلا إذا نُظر لها على أنها تعبير عن طبيعة السلطة وشكل ممارستها من قبل الحكم القائم.لا بد أن نتذكر أن البلاد تفتقد للمؤسسات وأن السلطةَ سلطةَ الرئيس ثم كلَ سلطة: هي سلطة مطلقة، وأن الوحيد الذي يمكنه أن يمنح سلطة أو يسحبها هو الرئيس، وذلك لا يخضع أحيانا لأي منطق سياسي أو لأي معايير. فالنظام هو نظام الولاء أساسا، الولاء للرئيس أولا ولبعض أصحاب النفوذ من جماعة الرئيس.لهذا المسألة ليست مسألة سياسية، فبلخادم لم يُعرف عنه يوما أنه معارض لأي شيء، قد تكون له آراء أو تقديرات ولكنه ليس معارضا، ولذلك فقد يكون الرجل أساء التقدير أو اقترف ما يمكن اعتباره “حماقة” تجاه أصدقائه وليس معارضة.والمسألة ليست حتى مسألة سلطوية، فالرجل لم يكن في منصب يتمتع بسلطات ما. فقد كان مستشارا خاصا، ولهذا فإن أي خطأ يمكن أنه وقع فيه لا يعد من صميم ممارسة السلطة بل من المسائل المتصلة بالعلاقات الشخصية أو يوضع في خانة خلاف داخل مجموعة، وهو خلاف في غير صالح بلخادم ولكن ليس في صالح أي جهة أخرى ربما، حتى وإن اعتبر البعض أن المستفيد هو أويحيى أو سعداني، لأن أويحيى يبقى صاحب فرصة في أن يكون بديلا، لكن ذلك يعد برأي العارفين بشؤون النظام ومنطق الرئيس بوتفليقة أمرا مستبعدا، خاصة عندما قبل تولي المنصب الذي تولاه لأنه يحرمه من الظهور السياسي ويقيد آراءه وحركته، ويجعله إما يعمل لصالح السلطة والحكم أو يضطر للاستقالة، وتلك ليست من ثقافة أويحيى. أما سعداني فالأمر حُسم من فترة ولم يعد في حاجة لتحييد بلخادم أو “مسحه” من الساحة.والنتيجة: الأمر قد يكون أظهر “غضبا” كبيرا لدى الرئيس أو لدى كل مجموعة الرئيس، وأن “العقاب” كان من مستوى ذلك الغضب، لكن لا يمكن تحميل الأمر أي صبغة سياسية هامة. ولعل البعد السياسي الحقيقي هو أن الخلفية السياسية لممارسة السلطة أظهرت أن الحكم لم يعد قادرا على تغطية بعض جوانب مشكلاته الداخلية، ولم يعد قادرا على تجديد صفوفه والوجوه التي يكلفها بتمثيله والدفاع عن آرائه، ولم يعد قادرا على إعطاء أي صورة عن أي هوية له. فالوجوه المستخدمة هي وجوه ولاء وليس آراء، وهي فقدت كل مصداقية وصارت عبئا على الحكم وليس سندا، وصارت مستفيدة غير مفيدة تماما.لهذا لا ينبغي البحث عن أي بعد سياسي في هذا القرار، هذا دخان “قَدْرَة” الرئيس وجماعته فقط[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات