+ -

مع إشراقة شمس يوم التهدئة، توجه الصياد الفلسطيني عبد الله إلى قاربه الرابض في حوض ميناء غزة، فوجه مركبة نحو مياه البحر إلى عمق 5 أميال، ورمى شبكة صيده ذات الثقوب الصغيرة واللون الأخضر من فوق قاربه ليصطاد ما توفر له من المساحة المحدودة من الأسماك لتكون طعماً له، لكن صيادي البشر من بني صهيون حوّلوا شبكته طعما لهم بمحاصرته بنيرانهم وضيقوا عليه مساحة الصيد أشد من ثقوب شبكته. وقفت “الخبر” مع الصياد عبد الله فوق قاربه الصغير وروى ليلته العصيبة: “تفاجأت والصاديين بطراد “إسرائيلي” يطلق علينا النيران واستدعى مجموعة من الزوارق الحربية، فلم يتوقف الجنود المتواجدون فوقها عن إطلاق النار العنيف علينا طيلة الليلة، والماء يتطاير من حولنا، ولكن أمضينا ليلة كاملة وعدنا بأسماك قليلة”.في مكان قريب من الميناء، وصلت “الخبر” لصياد آخر يتفحص قاربه، سألته: لماذا لا تبحر كباقي زملائك، قال: “لا أستطيع الإبحار، لأن القارب الذي أملكه كبير ويبحر لمسافة كبيرة، وكما ترى المساحة قصيرة، ورغم ذلك نحارب فيها”.قطع حديثنا صياد آخر: أنا أملك قاربا صغيرا، لكني متخوف من الدخول إلى البحر.. لقد أطلقوا النيران الكثيفة على زملائي الصيادين ولم ننل إلا القليل من السمك، متمنيًا أن تنجح المقاومة في توسيع مساحة الصيد لكي يتمكن الصيادون من صيد أسماك بكميات كبيرة.وإلى الجانب الآخر، ترسو قوارب صغيرة وكبيرة مصطفة على جانبي الميناء تعانق بعضها البعض، في مشهد يجسد وحدة الصف الفلسطيني الذي يفاوض من أجل حقوقه.لم ينته مسلسل المعاناة في الميناء بتوقف العدوان، فلا قوارب صالحة للإبحار، ولا مخازن باقية على حالها، وبقايا القذائف منتشرة في كل مكان.ووقف عشرات الصيادين يتأملون مخازنهم وقواربهم المدمرة وبعضها الآخر متفحم، حجم الدمار والخراب في الميناء أحدث صدمة كبيرة لدى صيادي غزة، دمار أصاب أكثر من عشرين قاربا بفعل قصف البوارج الحربية والطائرات الحربية.حالهم يغني عن سؤالهم، روى أحد الصيادين لـ«الخبر”: “لم نتوقّع أن تقصف بوارج الاحتلال المخازن، فلا شيء بها غير معدات الصيد والشباك”. وأضاف الصياد سعد الله وعلامات الحزن والغضب بدت واضحة على ملامحه: “الغرفة الخاصة بي، يوجد بها معدات تقدر بـ100 ألف دولار، إضافة إلى محركات قوارب، تقدر بأكثر من سبعة آلاف دولار”.بدوره، أكد نقيب الصيادين نزار عياش في تصريح لـ “الخبر”: “إن العدوان الإسرائيلي على غزة تسبب في خسائر فادحة لقطاع الصيد، بلغت تسعة ملايين دولار”، مشيرا إلى قرابة 4000 طن من الأسماك كانت تصطاد في بحر غزة قبل العدوان الحالي، لكن هذه الأيام انخفضت الكمية إلى 1500 طن فقط.ولم يكن حال الصياد العامودي أفضل حالاً من زملائه، حيث لم يتعرف على مكان مخزنه الذي تاه بين أكوام الدمار، وقدر العامودي خسائره بأكثر من 150 ألف دينار، هي ثمن محركات قوارب الصيد، إضافة إلى الشِبَاك والوقود المخزّن. ويذكر أن الاحتلال سمح للصيادين، بناء على اتفاق التهدئة عام 2012، بالصيد لمسافة ستة أميال بحرية، إلا أنه يواصل سياسة الاعتداءات والانتهاكات بحقهم، وتم تسجيل حالات اعتقال لعشرات منهم، وإعطاب للمراكب ومنع الإبحار.لن يكون بإمكان صيادي غزة الإبحار بعد الآن، فهم الآن باتوا صيادين بلا قوارب، عيونهم تبرق أملاً لخوض عباب بحر فلسطين المحتلة لترسوا سفنهم وقواربهم على شواطئ حيفا ويافا وعكا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: