تدخلت 7 أطراف رئيسية في المفاوضات التي انتهت بالإفراج عن الدبلوماسيين الجزائريين، وكشف مصدر أمني رفيع أن المفاوضات ما كانت لتنجح لولا المساعدة التي تلقاها الطاقم الأمني والدبلوماسي الجزائري الذي أدار عملية التفاوض للإفراج عن الرهائن الجزائريين. كشف أحد الرجال الذين أمنوا الاتصال بين وسطاء ماليين وأعضاء في جماعة التوحيد والجهاد الإرهابية أن قنصل الجزائر السابق في غاو، بوعلام سايس، رفض انتقاد السلطات الجزائرية في تسجيل فيديو عدة مرات، وكان ثابتا على موقفه حتى النهاية، وأشار مصدرنا إلى أن سوء المعاملة التي لقيها أدت إلى تدهور حالته الصحية، وتشير رواية الخاطفين إلى أن القنصل توفي بفعل مضاعفات معاناته من عدة أمراض، إلا أن محققين جزائريين يعملون حاليا على التأكد من حقيقة وفاة القنصل الجزائري في إطار تحقيق كامل يجري حول سير عملية الاختطاف.ولم يعد احتفاظ الإرهابيين في التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا بالرهائن الجزائريين شديد الأهمية بعد وفاة القنصل الجزائري بوعلام سايس أثناء الاحتجاز، وساهمت حادثة الوفاة في تخفيض سقف مطالب الإرهابيين الذين راهنوا منذ الأيام الأولى للاختطاف على المساومة بشخصية من وزن القنصل الجزائري في غاو، إلا أن وفاة القنصل التي يجري التحقيق بشأنها أدت إلى تراجع كبير في مطالب الإرهابيين، وقال مصدر عليم إن عملية الإفراج عن الرهينتين الجزائريين تمت الموافقة عليها في يوم 22 أوت 2014، حيث حصل مبعوثون من وزارة الخارجية الجزائرية ومديرية الاستعلامات والأمن على الموافقة النهائية من قبل المجموعة التي كانت تحتجز الرهائن الجزائريين على إخلاء سبيلهم، واحتاج موضوع تسيير عملية استلام وتسليم الرهائن لأكثر من 7 أيام، حيث تم تسليم الرهائن الجزائريين على مرحلتين ولمجموعتين مختلفتين من الوسطاء، من أجل إبعاد أي أثر لهوية الإرهابيين، الذين احتجزوا الرهائن طيلة 840 يوم، عن المحققين، وكان من الضروري تأمين عملية نقل الرهائن لإبعاد أي مفاجأة.واعتبرت رئاسة الجمهورية الجزائرية مسألة الرهائن الجزائريين المحتجزين في شمال مالي مسألة أمنية، وجاء هذا الاعتبار لإبعاد سيطرة الدبلوماسيين على العملية وفاء لمبدأ الجزائر رفض التحاور مع الإرهابيين، وقال مصدر أمني رفيع إن مسؤولين ورجال أمن في 4 دول شاركوا في عملية تحرير الدبلوماسيين الجزائريين وهذه الدول هي فرنسا التي منحت قواتها الجوية التي تسيطر على سماء دولة مالي منذ بداية عملية سرفال ممرا آمنا، ولولا الممر الآمن وامتناع قوات فرنسية ومالية وإفريقية عن التعرض لقافلة سيارات الوسطاء التي التقت بممثلين عن الخاطفين عدة مرات، لما أمكن إنهاء أزمة الرهائن. وفي المحصلة فإن أعضاء من جماعة الدعوة والتبليغ، وهي منظمة دينية موجودة في شمال مالي وأعضاء من حركة تحرير أزواد والحركة العربية الأزوادية ووجهاء قبليين، ومسؤولين أمنيين وسياسيين في بوركينافاسو وفي حكومة مالي وضباط في القوات الفرنسية في شمال مالي وشخصيات سياسية في ليبيا كلها كان لها دور في العملية الأمنية للإفراج عن الرهائن. ويفضل مسؤولون في جهاز الأمن الجزائري تحدثنا إليهم استخدام تعبير اتصالات بدلا من مفاوضات لوصف الجهد الذي انتهى بالإفراج عن آخر دبلوماسيين محتجزين أحياء في شمال مالي، حيث يقولون إن الجزائر لم تتفاوض أبدا بشكل مباشر مع حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا. الاتصالات للإفراج عن الرهائن التي بدأت في شهر أفريل 2012 كادت أن تنتهي في سبتمبر من نفس السنة، إلا أن حادثة اعتقال أبو إسحاق السوفي، قاضي القاعدة في بلاد المغرب في سبتمبر 2012، خلطت أوراق المفاوضات وأدت إلى رفع سقف مطالب الخاطفين بالإفراج عنه، وهدد الإرهابيون في أكثر من مناسبة بقتل الرهائن ونفذوا تهديدهم في خريف عام 2012 بتصفية نائبه الطاهر تواتي. وقال مصدر أمني حصل على تكوين أمني في مجال إدارة أزمات الاختطاف في الولايات المتحدة الأمريكية إن التوحيد والجهاد أساءت منذ البداية إدارة العملية، حيث أفرجت عن عدد من المختطفين في عام 2012، ثم أعدمت رهينة في محاولة لاستفزاز الجزائر من أجل استدراجها للمشاركة في الحرب على شمال مالي.مبدأ عدم التواصل مع الجماعات الإرهابية عقّد مهمة مجموعة العملمباشرة بعد وقوع عملية الاختطاف قررت رئاسة الجمهورية تشكيل مجموعة عمل من خبراء في وزارة الخارجية عملوا في شمال مالي وضباط كبار في مديرية الاستعلامات والأمن من أجل الوصول إلى حل سريع لأزمة الدبلوماسيين، ووضعت المجموعة تحت وصاية وزير الخارجية، وكانت على اتصال مباشر بسكرتير الرئيس بوتفليقة، ووجد أعضاء الطاقم الأمني والدبلوماسي الجزائري الذي كلف بإدارة ملف الدبلوماسيين الجزائريين منذ البداية نفسه أمام مشكلة شديدة التعقيد، فمن جهة الجزائر ترفض التفاوض مع حركات تمرد غير شرعية، وترفض بالتالي التفاوض مع الإرهابيين، لكنها مجبرة على العمل من أجل استعادة 7 من كبار موظفيها والإبقاء على سلامتهم، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فإن حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا المصنفة كجماعة إرهابية أكدت في عدة مناسبات التزامها بمبدأ تحرير إرهابيين مقابل الإفراج عن الرهائن الجزائريين، وسادت قناعة لدى كبار مسؤولي الدولة في الجزائر بأن أي تفاوض مباشر منع الإرهابيين أو أي تنازل أمام مطالبهم سيدمر كل مبادئ مقاربة الجزائر لمكافحة الإرهاب في الساحل، ويفتح الباب أمام تنازل الكثير من الأطراف الدولية أمام مطالب الإرهابيين، ولمواجهة الوضع لجأ الطاقم الأمني الدبلوماسي الذي أدار ملف الدبلوماسيين الجزائريين المحتجزين في شمال مالي إلى العمل الأمني السري واستغلال شبكة العلاقات المتشعبة لبعض الشخصيات النافذة في دول إفريقية مع عصابات التهريب من أجل الوصول إلى جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا دون الاتصال بها بشكل مباشر.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات