يعتقد المحلل السياسي، رشيد قريم، أن السلطة اعتمدت إستراتيجية “تقوم على إيهام الأفافاس بأنها متحمسة لمبادرته، ثم تراجعت عنه في آخر لحظة حتى تنزع ما تبقى من مصداقيته”. ويقول قريم إن “من وراء تصريحات سعداني حول مبادرة الأفافاس رئاسة الجمهورية التي يتحرك بإيعاز منها”.كيف تقرأ وضع الأفافاس قبيل أيام عن عقد ندوة الإجماع الوطني؟ الأفافاس أراد اللعب على حبلي المعارضة والسلطة، بإطلاقه مبادرة الإجماع الوطني، فهو من جهة توجه إلى المعارضة لإعطاء الانطباع بأنه لا زال معارضا، ومن جهة أخرى ذهب بقوة نحو السلطة لإقناعها بالتشاور، لكنه خسر الطرفين في النهاية. حالة الأفافاس الآن تشبه لحد ما ما حدث له في سنوات التسعينات، حين رفض ثنائية السلطة العسكرية والسلطة الإسلامية، مع الفارق في أن الثنائية الحالية هي التي رفضته هذه المرة.لماذا أعلن الأفالان مشاركته في الندوة ثم تراجع؟ أعتقد أن السلطة عمدت إلى إستراتيجية إيهام الأفافاس بأنها متحمسة للمبادرة التي أطلقها، ثم تراجعت في آخر لحظة، حتى تنزع عنه المصداقية وتوجه بذلك ضربة قوية لهذا الحزب الذي كان يشكل إلى وقت مضى فاعلا سياسيا مهما في المعارضة. ووجد الأفافاس الآن نفسه في حرج، فلا هو بقي معارضا ولا هو صار في السلطة، وبين هذا وذاك فقد مصداقيته لدى الرأي العام.لماذا أصدر سعداني تصريحات متناقضة بخصوص الأفافاس؟ صحيح أن سعداني رغم مستواه المحدود يتمتع بالحيلة، إلا أني أستبعد أن يكون هو المدبر للانقلاب على الأفافاس بالطريقة التي تمت. سعداني لا يتحرك إلا بإيعاز من قصر المرادية ومن شقيق الرئيس بالتحديد السعيد بوتفليقة. سعداني معروف بتصريحاته المتناقضة، لكن ما قاله مؤخرا حول الأفافاس لا يمكن تفسيره إلا بكون الأفالان والسلطة من ورائه لن تشارك في ندوة الأفافاس.لكن من يتحمل مسؤولية ما يقع للأفافاس في اعتقادك؟ بعد مرض الزعيم التاريخي ومؤسس الأفافاس حسين آيت أحمد وتواريه عن الساحة، أصبح الحزب في يد الهيئة الرئاسية التي تخطط وتقود مبادرته المطروحة. ومعروف أن عضو الهيئة محند أمقران شريفي هو أكثر الرجالات نفوذا داخل الأفافاس حاليا، وهو العقل المدبر لندوة الإجماع الوطني. وبالعودة إلى من هو شريفي؟ نجد أنه كان أحد رجالات النظام في الجزائر، شغل مناصب سامية وكان وزيرا للتجارة في حكومة عبد الحميد الإبراهيمي سنة 1987، ثم سافر إلى دول الخليج في فترة الأزمة الأمنية، ووجد نفسه في نهاية التسعينات مستشارا لحسين آيت أحمد، ومن هنا بدأ نفوذه داخل الحزب يتغلغل شيئا فشيئا.كيف كان تأثير شريفي على خط الأفافاس؟ عندما أصبح شريفي عضوا في الهيئة الرئاسية ومع تواري دور الرئيس التاريخي للحزب حسين آيت أحمد، أصبح المجال مفتوحا أمامه لتطبيق أفكاره. شريفي أراد أن يسير بالأفافاس من الخط المعارض الراديكالي الذي كان عليه منذ تأسيسه، إلى خط آخر يقترب من السلطة في مرحلة أولى، ثم ينضم إليها تماما كما سارت من قبل حركة مجتمع السلم قبل أن تترك الحكومة.أي مسار سيتخذه الأفافاس في حال فشل مسعاه ؟ لا أعتقد أن الأفافاس سيعود إلى خطه السياسي الأول في الفترة الحالية، حتى وإن فشلت مبادرته في الجمع بين السلطة والمعارضة كما كان يقول. لكن الأكيد أن الحزب سيمر بأزمة طويلة نسبيا قد تنتهي بحركة تصحيحية أو انقلاب داخله على أمقران شريفي وعلي العسكري، حتى يعود إلى مكانه الطبيعي في المعارضة.لكن هل هناك قيادات داخل الأفافاس قادرة على إعادة الحزب لخطه المعارض الذي تتحدث عنه؟ مشكلة الأفافاس أنه تعرض لعملية تصحير من الكوادر والقيادات القادرة على تجديد أفكار الحزب ودفعه إلى الأمام. في سنوات الألفين تم إقصاء عشرات القيادات الذين كانوا يقومون بعملية النقد الذاتي للحزب باستمرار، فتحجر النقاش داخل الأفافاس وبقي خاضعا لقرارات زعيمه الأول، ولما غاب هذا الزعيم تبين حجم الضرر الذي لحق بالحزب.هل لذلك تأثير على مصداقية الأفافاس لدى الرأي العام ومناضليه؟ ما بقي من مصداقية للأفافاس لدى الرأي العام تم الإجهاز عليه، وحتى مصداقيته الدولية في خطر. لا ننسى أن الأفافاس هو الحزب الوحيد الذي يملك بعدا دوليا بفعل انتمائه للأممية الاشتراكية، وقد سبب له ذلك في البداية حرجا في الداخل بعد أن راح خصومه يتهمونه بأنه زائدة دودية للحزب الاشتراكي الفرنسي. ذكرت في بداية الجواب “ما بقي” من مصداقية الأفافاس، لأن شيئا من مصداقيته ضاع بعد قرار آيت أحمد السفر إلى سويسرا وتسيير الحزب من هناك. أما عن تأثير ذلك على المناضلين، فالواقع يثبت تراجعا كبيرا لوعاء الأفافاس في منطقة القبائل، أقوى معاقله، لحساب “الماك” (الحركة الانفصالية) والأرسيدي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات