مارس الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في قرار إنزال العقوبة بعبد العزيز بلخادم، خلطا متعمدا بين إقصائه من هياكل الدولة ومن جبهة التحرير الوطني، فتصرف وكأن الحزب إحدى ملحقات رئاسة الجمهورية ! وهو بذلك أراد أن يمعن في عقاب رجل ثقته السابق لدوافع شخصية، ما يثبت مجددا أن بوتفليقة اختزل الدولة في شخصه.لا شك أن بلخادم ارتكب جريمة تمس بـ«الذات البوتفليقية”، حتى ينفجر الرئيس بكل هذا العنف الذي حمله القرار، الصادر عن مصدر غير معروف بالرئاسة المنشور أول أمس بوكالة الأنباء الجزائرية. فهل الخطيئة (أو الخطايا) التي اقترفها، كان حضوره تجمعا لأبرز معارضي الرئيس، خاضوا فيه حول مسألة تغيير النظام؟ هل هي انتقاده في مجالس خاصة اختيار عبد المالك سلال مديرا لحملة بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية الماضية؟ هل هي حديثه مع دبلوماسيين أجانب باسم الرئيس، في قضايا تلزم الدولة، مثلما أشيع؟ هل هي طموحه في تولي الرئاسة؟ هل مسعاه إلى استعادة منصبه في الحزب هو من جلب له هذا السخط؟ أم هي كل هذه “الخطايا” مجتمعة؟كان قرار معاقبة بلخادم سيمر دون أن يثير كل هذا الجدل، لو لم يتضمن توجيه تعليمة لقيادة الحزب بطرده من كل هياكله. فقد تعمد بوتفليقة إلحاق ضرر بليغ ببلخادم لما قرر وأده سياسيا، وهذا التصرف أخطر بالنسبة لمستشار الرئيس سابقا، من العقاب الذي تلقاه في 1992. فحينها طرده النظام من المجلس الشعبي الوطني ولكن لم يطارده في الحزب.المثير في قرار الرئيس العنيف أنه عاقب شخصا خدمه بـ«رموش عينيه”. فقد شارك بلخادم بفعالية في تقسيم الأفالان من أجل بوتفليقة عندما قاد الحركة التصحيحية ضد علي بن فليس في 2003، وساهم بقوة في تنحيته من قيادة الأفالان وقدم الحزب على طبق لبوتفليقة. بلخادم هو من اقترح استحداث منصب رئيس الأفالان في المؤتمر الجامع 2005، وقدمه على طبق لبوتفليقة. بلخادم خدم النظام في عهد بوتفليقة في ملفات دولية ومحلية كثيرة.. كل هذا لم يمنحه “الظروف المخففة” عند بوتفليقة الذي قرر محو كل أثر لبلخادم في الدولة والحزب معا.ولكن لعنف العقوبة وجه آخر، فهو يعكس فقدان التوازن والقدرة على المناورة من جانب الرئيس. فبلخادم لم يشكل أبدا خطورة على بوتفليقة ومحيطه، ولم يكن أبدا مصدر قلق له حتى يمكن تبرير إعدامه سياسيا بهذه الطريقة الاستعراضية. وحتى بلخادم لم يتوقع كل هذا التطرف من جانب الرئيس، إذ قال لمقربين منه إن الأوامر بإبعاده من الأفالان “وقاحة”. ولكن من يعرفون الرجل عن قرب، يقولون إن هذا التصرف ممارسة متأصلة في شخصيته، فو يهوى تقريب الأشخاص منه فيرفعهم إلى سابع سماء ثم يأتي اليوم الذي يهوي بهم إلى الأرض، وبلمسة تشفٍّ في قرار عقابهم. غير أن العقاب الذي لحق ببلخادم يتجاوز المبدأ الذي تقوم عليه العقوبة في القانون، وهو “التناسب”. بمعنى أن التطرف في الإجراءات المتخذة ضده لا يمكن أن تكون متناسبة مع الأفعال المنسوبة إليه.ويمكن فهم الدمج بين تنحية بلخادم من هياكل الدولة وإقصائه من الأفالان، بأن بوتفليقة ينظر إلى حزبه بأنه مصلحة من مصالح الدولة، وهذا خرق صريح للدستور. فالأفالان مفصول عن الدولة منذ إقرار دستور 1989، وأصبح منذ 25 سنة حزبا كغيره من الأحزاب الأخرى. وإذا كان هذا الدمج يصب في مصلحة سعداني، فيعزز موقعه في الحزب، فهو في نفس الوقت رسالة إلى أنصار بلخادم في اللجنة المركزية تأمرهم بالدخول في الصف.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات