38serv
كيف تقرأون اعتماد الجزائر لمخطط جديد بقيمة 262 مليار دولار؟ الإنطباع الأولي السائد هو تكريس على مستوى دوائر صنع القرار لنفس السياسات المتبعة منذ سنوات أي اختزال الأمر في توزيع الريع، مع مواصلة الإنفاق على المنشآت دون أدوات الإنتاج ودون ترشيد وضبط وتخطيط سليم، والنتيجة هو تحقيق نتائج مناقضة عن تلك التي كان يفترض أن تسجّل نظير إنفاق 900 مليار دولار تقريبا، وكأن الانطباع السائد هو اتباع سياسة ذات توجه خطي وتكرار الأخطاء المرتكبة بالنتائج المعلومة، حيث أننا نقوم بضخ نسبة مضاعفة سنويا من الناتج المحلي الخام، مع تحقيق نسبة نمو متواضعة، فضلا عن النتائج الميدانية الملاحظة وتضخيم قيمة المشاريع التي يفترض أنها تخضع لنفس المقاييس المعمول بها دوليا ولا يمكن أن نجد فوارق كبيرة في تكلفة مشاريع مماثلة من دولة إلى أخرى تصل إلى الضعف إلا إذا كان هناك اختلال كبير في تصميم وإعداد وإنجاز المشاريع.وعليه، فإن تكرار نفس أساليب العمل سيؤدي بنا إلى نفس النتائج، مع انقضاء تاريخ المخطط الجديد، أي أننا سنواصل الكلام على اختلال بنية الاقتصاد الجزائري الريعي.ما هي أبرز الاختلالات القائمة في رأيكم؟ أبرز ملامح الاختلال هو القطاع الصناعي، فالسياسات المتبعة منذ ثلاثة عقود وأكثر، أدت إلى تحطيم الآلة الإنتاجية. فبعد تجربة الصناعة المصنعّة التي عرفت سوء تسيير ونقائص أدت إلى عجز المؤسسات الكبيرة وإسعافها من قبل الدولة وتجميد الأسعار والأجور، رجعنا بعدها إلى تفكيك المؤسسات وإعادة هيكلتها دون أن نجد الفعالية الكاملة لتسييرها، ثم أعادنا استنساخ بعض التجارب لمجتمعات الاستهلاك، مع توزيع للريع التي شجعت على بروز طبقات اجتماعية لزمر ومراكز قوى حولها، مع التخلي تدريجيا على النسيج الصناعي، والنتيجة أن الصناعة التي كانت تمثل حوالي 25 في المائة من الناتج المحلي الخام أضحت تمثل 5 في المائة وهي في جزء منها متصل بالقطاع العمومي، بينما نجد أن القطاع الخاص أدرج في سياق سياسات توزيع الريع ويستفيد أيضا بطريقة أو بأخرى خاصة من خلال الارتباط بالتجارة الخارجية والاستيراد بالوضع العام، لنخلق بالتالي صناعة طفيلية غير منتجة من الناحية الفعلية وتشكل بطريقة أو بأخرى نوعا من الاحتكار المقنّع دون إرساء قواعد المنافسة الحقيقية، كما أن جزء من النشاط الاقتصادي مرتبط بالسوق السوداء وبالتعاملات غير المرئية في غياب الفوترة والتعامل بالوسائل العصرية للدفع، والنتيجة أن الاقتصاد الجزائري في جزء منه غير مرئي وغير خاضع للمراقبة.هل تتوقعون استمرار الوضع على نفس المنوال مع المخطط الجديد؟ غالبا ما سيظل التوجه قائما مع توزيع الريع عبر الصفقات العمومية والمشاريع المدعمة، ولكن يجب التأكيد أن أي دولة أخرى تقوم بإنفاق 900 مليار دولار، فإنها بالتأكيد ستبرز كدولة صاعدة وكقوة اقتصادية إذا ما تم ترشيد نفقات هذه الموارد المالية المعتبرة. فلو كان هناك تسيير حقيقي وتغليب لمصلحة البلاد، فإننا سنجد بأن النتائج ستظهر بعد عشرية لا محالة، ولكن الإشكال أن الجزائر ستواجه رهانات وتحديات حقيقية، مع مؤشرات تراجع مخزون المحروقات في ظرف 15 و20 سنة، بل إنها ستكون أمام احتمال عدم التمكن من التصدير بالمستويات الحالية أمام ارتفاع الطلب المحلي بنسب تفوق 10 إلى 12 في المائة، لاسيما من الغاز. وعليه يتضح أن صناع القرار في الجزائر يركّزون على المقاربة الآنية والنظرة القصيرة الأمد، مع محاولة التخفيف من وطأة المطالب الاجتماعية الداخلية. ومن بين النقائص الكثيرة التركيز على المنشآت والبنى التحتية بدعوى أنها ستجرّ بعدها إلى التطور والنمو، ولكن المشكل أن هذه البنى سينجرّ عنها ارتفاع كبير في كلفة التسيير والصيانة، وبالتالي ستتطلب مبالغ مالية لصيانتها ومتابعتها بعد إنجازها، هذا في حالة تحقيقها كليا خاصة مع التأخر المسجل في إنجاز المشاريع وإعادة تقييم المشاريع وبالتالي عوض مزاوجة إقامة البنى مع دعم الآلة الإنتاجية، سنجد أنفسنا أمام نفس الوضع بعد خمس سنوات أخرى.وماذا عن إعادة تقييم المشاريع؟ الإشكال أن الرقابة وضبط المشاريع والتخطيط يشكلون نقطة ضعف كبيرة. فالاختلال قائم حتى قبل بداية المشروع في الميدان، ولذلك نلاحظ تضخما في قيمة إنجاز المشاريع في الجزائر بصورة كبيرة رغم أن القيمة أو الكلفة المعتمدة لا يمكن أن تكون مغايرة بين دولة وأخرى بصورة كبيرة، أي أن معدل المتر المربع أو الكيلومتر لا يمكن أن يكون في الجزائر ضعف ما هو عليه في فرنسا أو ثلاثة أضعاف مما هو عليه في المغرب والجزائر لا يمكن أن تكون استثناء في هذا المجال وكل الهيئات المتخصصة يمكن أن تقدّر قيمة المشروع وأين يكمن الخلل، فتقدير العديد من المشاريع مبالغ فيه ويتعيّن التركيز على الرقابة ومتابعة المشاريع بدقة خاصة الكبيرة والاستراتيجية، لاسيما من جهة الفوترة والتحكم في الإنجاز، وإلا فإننا سنعيد تكرار نفس الأخطاء.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات