+ -

 هذا التجرّد لا يطالب به الفرد وحده، إنّما تطالب به الجماعة المسلمة والدولة المسلمة. فما يجوز أن يكون هناك اعتبار لعلاقة أو مصلحة يرتفع على مقتضيات العقيدة في الله ومقتضيات الجهاد في سبيل الله.وما يكلّف الله الفئة المؤمنة هذا التّكليف إلّا وهو يعلم أنّ فطرتها تطيقه، فالله لا يكلّف نفسًا إلّا وسعها، وإنّه لمِن رحمة الله تعالى بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطّاقة العالية من التجرّد والاحتمال، وأودع فيها الشّعور بلذّة علوية لذلك التجرّد، لا تعدِلها لذائذ الأرض كلّها، لذّة الشّعور بالاتصال بالله، ولذّة الرّجاء في رضوان الله، ولذّة الاستعلاء على الضّعف والهبوط، والخلاص من ثقلة اللّحم والدّم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء، فإذا غلبتها ثقلة الأرض ففي التطلّع إلى الأفق ما يجدد الرّغبة الطّامعة في الخلاص والفكاك.والقرآن الكريم إذ يقصّ علينا وقعة حُنَيْن المباركة، يذكّرنا أنّ الإنسان بالكيف لا بالعدد وأنّ التجرّد لله وتوثيق الصّلة به هي عدة النّصر لمَن أراد أن يحيا سعيدًا أو يموت شهيدًا.. فهي العدّة الّتي لا تخذل أصحابها حين تخذلهم الكثرة في العدد والعتاد، وحين يخذلهم المال والإخوة والأولاد... قال سبحانه: ”لقَدْ نَصَرَكُم اللهُ فِي موَاطِنَ كثِيرةٍ ويَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُم كَثْرَتُكم فَلَم تُغْنِ عَنْكُم شيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بمَا رَحُبَتْ ثُمّ وَلَّيْتُم مُدْبِرين ثُمّ أنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ علَى رَسُولِه وعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وانْزَلَ جُنُودًا لمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الّذِين كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين ثمّ يَتُوبَ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ علَى مَنْ يَشَاءُ واللهُ غَفُورٌ رَحِيم” التّوبة: 25-27.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: