قبل أيّام قليلة ودّعنا ضيفًا عزيزًا غاليًا علينا لمدة 30 يومًا، ولكن هل تركنا وهو راض عنّا أم رحل وهو يبكيحسرة علينا وعلى أحوالنا، قال الله تعالى: “إنّما يتقبل الله من المتقين” المائدة27. كان الصّائم يجتهد قدر الاستطاعة في عبادة الخالق سبحانه وتعالى من صلاة وصيام وقيام وتهجّد وفعل الخيرات، فلا يملّ ولا يكلّ من صنوف الطاعات الّتي ربّما لم يكن له -قبل رمضان- نصيب منها، إلاّ مَن رحم الله.لكن، مع نهاية شهر رمضان الفضيل، يبدأ المسلم في التّهاون على أداء الطاعات، وسرعان ما يخبو لهيب الحرص على العبادة مع أوّل أيّام عيد الفطر المبارك، تضيع صلاة الفجر في ذلك اليوم، فذلك أوّل شَرَك نصّبه الشّيطان قد وقع فيه ذلك الرجل المهزوم. والّذي كان يُصلّي في اليوم أحد عشر ركعة على أقل تقدير في صلاة التّراويح والقيام، لم يَعُد يستطيع أن يُجاهد نفسه على ثلاث ركعات، وإن شئت فقل: ركعة واحدة بعد رمضان. والّذي كان يختِم القرآن في أسبوع أو نصف شهر أو حتّى خلال شهر لَمْ يَعُد يُطيق قراءة خمسة أوجه من كتاب الله تعالى بعد رمضان. وذاك الّذي لم تَفُتْهُ صلوات النّوافل (التّراويح والقيام) أصبح يضيّع الفرائض والمكتوبات، فالله المستعان.كلّ هذا إلى غيره ممّا هو لا يخْفَى على القارئ الكريم مِن تَغيُّر ملحوظ بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، ما هو نتيجة لسوء الفهم، وقلّة الفقه، وانعدام التّفكير السّليم الصّحيح.وهذا من علامات عدم قبول العمل والعياذ بالله، لأنّ الصّائم يفرَح يوم فِطْرِه ويحمُد ويشكر ربَّه على إتمام الصِّيام، ومع ذلك يتحسَّر ويبكي خوفاً من ألاّ يتقبّل الله منه صيامه، وقد كان السّلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله تعالى القبول.إنّ مِن علامات قبول العمل أن ترى العبد في أحسن حال من حاله السابق، وإقبال على الطاعة “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..” إبراهيم:7. أي زيادة في الخير الحسي والمعنوي، فيشمل الزيادة في الإيمان والعمل الصالح. فلو شكر العبدُ ربّهُ حقّ الشُّكر، لرأيتَهُ يزيد في الخير والطاعة، ويبعد عن المعصية، والشُّكر ترك المعاصي.وهكذا يجب أن يكون العبد، مستمرٌ على طاعة الله، ثابت على شرعه، مستقيم على دينه، قال الله تعالى: “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك..” هود:112، وقال تعالى: “...فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ..” فصلت:6.والآن بعد انتهاء صيام رمضان.. فهناك صيام النّوافل كـالست من شوال، الإثنين والخميس، تاسوعاء وعاشوراء، عرفة وغيرها...وبعد انتهاء قيام رمضان، فقيام اللّيل مشروع في كلّ ليلة، وهو سُنّة مؤكّدة حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أدائها بقوله: “عليكُم بقيام اللّيل فإنّه دَأْبُ الصّالحين قبْلَكُم، ومقربة إلى ربّكم، ومكفّرة للسيِّئات، ومنهاة عن الإثم مطردة للدّاء عن الجسد” رواه الترمذي وأحمد.فَرَبُّ رمضان هو ربٌّ شوال وسائر الشُّهور والأيّام، وفضل الله تبارك وتعالى واسع في سائر الأيّام، ومواسم الخيرات والطاعات في سائر الشّهور والأعوام، فإيَّاك والنُّكوص عمّا كنتَ عليه في هذا الشّهر المبارك.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات