هاجم ناشطون حقوقيون التقرير السنوي لسنة 2013 الصادر عن اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان، معتبرين أنه يمالئ السلطة ويغطي الوجه الحقيقي لوضعية حقوق الإنسان في الجزائر، بالنظر إلى الارتباط المباشر بين هذه الهيئة التي يرأسها فاروق قسنطيني ورئاسة الجمهورية. ولئن اعترف هؤلاء بأن “الوضع الحقوقي في الجزائر لا يعادل ما كان إبان سنوات التسعينات”، إلا أنهم أكدوا بالمقابل أن ذلك لا يلغي وجود “مظالم كبيرة تتعلق بحرية التظاهر وإنشاء الجمعيات وحرية التعبير وتشكيل الأحزاب، وقضية المفقودين والتعذيب، ينبغي التصدي لها”.بن يسعد: الحقوق والحريات تراجعت بعد 2011أبرز نور الدين بن يسعد، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن هناك فرقا كبيرا بين المبادئ التي صادقت عليها الجزائر في مجال الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وبين القوانين والتشريعات المحلية التي تظل في مجملها غير مطابقة للمواثيق الدولية، مثلما يظهر في القوانين المؤطرة لحرية التظاهر وحرية التعبير وحرية إنشاء الجمعيات. وأضاف بن يسعد أنه حتى في الاستثناءات التي تكون فيها القوانين الجزائرية مطابقة للقوانين الدولية، فإن ممارسات الإدارة في الميدان تحد بشكل كبير من فعالية تجسيد تلك القوانين على الأرض، لتبقى مجرد حبر على ورق.وفي موضوع استقلالية القضاء، ذكر بن يسعد أن سيطرة الإدارة على المجلس الأعلى للقضاء يعد منافيا للقوانين الدولية، ولا يساعد على تحقيق استقلالية العدالة، ما دام مصير القاضي في الفصل والتحويل والمعاقبة يخضع لسلطة وتقدير الإدارة. وقال بن يسعد إنه “لا يوجد تطور في موضوع الحقوق والحريات في الجزائر بعد فترة ما يعرف بـ”إصلاحات 2011” التي أقرها رئيس الجمهورية، بالنظر إلى أن “التشريعات المتعلقة بالأحزاب والجمعيات والإعلام” كلها في تراجع عن حقوق كانت مكرسة في تشريعات سابقة”. وفي هذا الشأن يذكر تقرير لجنة قسنطيني أن إصلاحات 2011 كان لها صدى إيجابي داخل وخارج البلاد.بوشاشي: قسنطيني غير قادر على انتقاد السلطة التي تمولهمن جانبه، قال الناشط السياسي والحقوقي، مصطفى بوشاشي، إن المؤسسات الجزائرية تتصرف خارج القانون حينما يتعلق الأمر ببعض الحقوق المكرسة في التشريعات، لافتا إلى أن “الجزائر هي الدولة الوحيدة التي لا تسمح بالتظاهر وتتابع النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي”. واعتبر بوشاشي أن عدم تطور الجزائر في مجال حقوق الإنسان يعد طبيعيا بالنظر إلى كونها “دولة غير ديمقراطية وسلطة القضاء فيها غير مستقلة ولا تحترم الحقوق والحريات”.وقال بوشاشي، الذي استقال من البرلمان مؤخرا، إنه “لا يستغرب من لجنة قسنطيني تقريرا كهذا، فهي مؤسسة حكومية مرتبطة برئاسة الجمهورية وتمول من المال العام، ما يجعلها غير قادرة على انتقاد الوضع الحقوقي في البلاد”. وأضاف: “تمنينا من هذه اللجنة، ما دامت لا تستطيع الانتقاد، أن تقوم بحملة توعية وتحسيس للتعريف بالخلل الموجود على المستوى الحقوقي داخل مؤسسات الدولة”. قبل أن يستطرد: “ولكن ماذا ننتظر من مؤسسة تقترح أن يكون الجيش هو الضامن للديمقراطية في الدستور !”. وكان فاروق قسنطيني قد دافع عن هذا الاقتراح قبل سنتين على أمواج الإذاعة الوطنية.وخلص بوشاشي إلى أن هذا النوع من التقارير لا يخدم الجزائر ولا حقوق الإنسان ولا يعطي صورة إيجابية للخارج، عكس ما يتوهمه معدو التقرير”. ويرى بوشاشي أن أخطر الحقوق المهضومة في الجزائر، ما يتعلق بحرمة جسد الإنسان، إذ “يشتكي كثير من المواطنين من تعرضهم للتعذيب من قبل مصالح الأمن، دون أن يفتح أي تحقيق في الموضوع مثلما تفرضه الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها الجزائر”. وتابع يقول: “صحيح أن التعذيب الذي كان ممارسا في التسعينات قد ولى، ولكن القول باستئصال الظاهرة غير صحيح”.ويشير تقرير لجنة قسنطيني إلى أنه “لم يتلق أي شكوى حول حالات التعذيب”، موضحا أن “الجزائر بلد واضح في هذا الصدد وليس لها ما تخفيه”.نصيرة ديتور: التعويضات لم ولن تنهي قضية المفقودينبدورها، استنكرت نصيرة ديتور، الناطقة باسم “تجمع عائلات المفقودين في الجزائر”، ما ورد في تقرير لجنة قسنطيني عن القضية التي تدافع عنها. وتساءلت: “كيف لمحام ورجل قانون أن يقول إن التعويضات بإمكانها إنهاء مأساة عائلات بأكملها؟”، معتبرة أن “قضية المفقودين لا يمكنها أن تنتهي إلا بعودتهم إلى أهاليهم أو تسليم الجثث إلى أصحابها”.وكان التقرير قد ذكر أن 95 بالمائة من أسر المفقودين قد حصلت على تعويضات والحلول الأخرى المقترحة من قبل الدولة في إطار الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية”. واعتبر أن “هناك أقلية يواصلون استخدام معاناة أسر المفقودين وأنه لا توجد حلول يمكن أن تقترح عليهم”.وردت ديتور على قسنطيني قائلة: “لن نرتاح حتى نعلم الحقيقة كاملة. لدينا معطيات عن وجود 1000 مفقود في سجون الحراش والبليدة ورڤان والبرواڤية، إلى جانب وجود 3000 مدفون في مقبرة العالية مجهولي الهوية”. وأبرزت المحامية أن “الدولة مطالبة بتحليل الحمض النووي لتلك الجثث حتى تعاد لأصحابها”، ومطالبة أيضا “بالإفراج عن المفقودين الموجودين في الزنزانات الانفرادية”. وأضافت ديتور أن القبول بالتعويض “يفرض على عائلة المفقود استخراج حكم من المحكمة بوفاة ابنها ما يعني انتهاء القضية”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات