+ -

فلسطين ملك للفلسطينيين، بالقدر الذي يجعل بريطانيا ملكا للبريطانيين وفرنسا ملكا للفرنسيين... إذن، ما يحدث اليوم في فلسطين لا يخضع لأي اتفاق معنوي... فإذا كان اليهود يعتبرون أن فلسطين هي موطنهم الوطني من زاوية الجغرافيا هم مخطئون في الزحف عليها في ظل المدافع البريطانية. فلا يمكن أن تؤدي الطقوس الدينية بمساعدة الخناجر والقنابل ذلك. ولا يستطيعون الاستقرار بفلسطين إلا بإرادة العرب. وكما هو الحال اليوم، هم يتقاسمون مع بريطانيا مسؤولية تجريد شعب لم يؤذهم... بحكم القوانين المعنوية المعترف بها دوليا التي تفصل الشرعية من عدمها، لا يمكننا غير مساندة المقاومة أمام قوة جبارة (المهاتما غاندي 1938). لا يمكن، بل من الخطورة بمكان، عدم الاعتراف بأن العالم الإسلامي يمر بمرحلة صعبة في تاريخه. إن ما يجري الآن في غزة، منطقة الشهادة المعرضة منذ سبع سنوات للحصار، تحت القصف من طرف الدولة الاستعمارية المجنونة إسرائيل، لا يمكن فهمه إن لم ندمجه في الهجمة الشاملة على الإسلام، بداخله إرهاب المتطرفين، الموجه من قوى خفية، لا يصعب تحديد هويتها، والتي تعمل على تجزئته.الإسلام تحت الحصار الدوليلا يوجد بلد ذو أغلبية مسلمة في مأمن من التهديدات الآنية في وجدانه السياسي، ناهيك عن الأقليات المسلمة، أينما وجدت، من الهند إلى سريلانكا، مرورا بجمهورية إفريقيا الوسطى، المعرضة لأعمال الإبادة، تقوم بها دول ذات حدود يقطنون بها منذ ألف سنة. ولا داعي لذكر ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا، البلدان القريبة منا ثقافيا وتاريخيا.في هذا الظرف المتميز بالاضطرابات والعنف ضد المسلمين، بشكل عنيف وتحت قناع العلمانية، تجاوز البعض الخط الفاصل بتوجيه التهم، ليس ضد أولئك الذين يدعون إلى معاداة الإسلام ويروجون لشعرات عدائية، لكن ضد الإسلام كدين منزّل، قد تكون تعاليمه ضد قيم العالم المعاصر، تحمل في طياتها فلسفة الحصر الديني المبرر للعنف وإن كان المسالمون والمتسامحون، الذين يشكلون الأغلبية، مستهدفين. فمن وجهة نظر المعادين للإسلام، الانتماء للإسلام جريمة يجب معاقبتها بالقمع والتهميش، إن لم نقل المذبحة، لأن الإسلام يحمل قيم عدم التسامح والتعصب غير مقبولة في عالم متفتح في القرن 21. الصهيونية والإسلاموفوبيافي خضم هذه النظرية المتمثلة في معاداة الإسلام، يقوم معهد البحث هرزليا، الذي يحمل اسم منظّر الصهيونية، دورا محوريا: حيث يقضي الباحثون والمفكرون عمرهم في تجديد موضوع المعاداة للإسلام، بتنشيطه والبحث عن آفاق جديدة ومساحات لتوظيفه.وفي كل سنة، يعقد معهد الدراسات الاستراتيجية، المتواجد بالقرية الفلسطينية سيدنا علي التي أبيد سكانها في 1948، ندوة دولية تجمع أعضاء الحكومة الإسرائيلية ونخبة المنظرين المعادين للإسلام، في مهرجان، يتهمون فيه الإسلام بارتكاب كل الآثام السابقة والقادمة، بوضع أسس شبه علمية في شكل تقليد للطرق الأكاديمية، بشبوهات ومواقف سياسية أكثر منها علمية، بهدف واحد هو تأكيدهم على أن الصهيونية هي آخر ملجأ، الحصن الواقي للحضارة الغربية المهددة من إسلام ”مهيمن وغير متسامح”.إذ يعتبر معهد هرزليا، الذي يستفيد من وسائل مالية معتبرة، جوهر الدعاية الصهيونية، وبحجم منشوراته التي لا تكل من ترديد نفس الموضوع بعناوين وزوايا مختلفة متعددة وهجينة، تعطي الانطباع بأنها تبث نظرة واقعية، علمانية وعالمية، مقابل النفي الإسلامي ومن المسلمين. باختصار، نجد في هذه الدراسات المعتادة دعاية صهيونية ”حضارة ضد بربرية، حداثة ضد محافظة، تسامح ضد الإقصاء، العولمة ضد المحلي”، لتأتي طبعا الصهيونية لتملأ المواصفات الحسنة، بترك السيئة للإسلام. كما نسجل أن نخبة هذا العالم، في البحث عن شهادة دعم للفكر الصهيوني، بالرغم من تضاربها مع مبادئهم السياسية، لكنه ضروري للتموقع السياسي، فيأتي أناس لانتزاع شهادة العرفان، مثل نيكولا ساركوزي ورشيدة داتي وباروزو وغيرهم. إذ هناك مبادئ معلنة عن العلمانية والمساواة وأمام القانون، وعدم التمييز على أساس ديني، عرقي و أو فئوي، أسس الديمقراطية الغربية، ومبادئ الصهيونية، مبادئ التمييز الديني والعرقي التي تقصي كل ديمقراطي غربي لائق، رغم أنه باعتزازه بمبادئه يدعم الصهيونية. وحتى لا نلهم الناس بأن المتسبب هو النازية، فالصهيونية موجودة، بأسسها وتاريخهاـ قبل أن يأتي هتلر إلى الوجود. ففي هذا المركز، المتموقع في قرية من قرى الاستشهاد الفلسطيني، تحاك المكائد ضد المسلمين والأقليات المسلمة، خلق حركات تمرد، مثل السودان، وتأجيل الاضطرابات العرقية داخل بلدان ذات أغلبية مسلمة، مثل العراق وسوريا، أو الأقليات المسلمة المعتبرة مثل الهند وسري لانكا، أو وفق مقالات منشورة في الإعلام المحلي، ليقوم الصهاينة بتمويل الأحزاب السياسية الدينية حملات الإبادة على يد الهندوس والبوذيين ضد مواطنين مسلمين.الصهيونية هي إيديولوجيا دينية متعصبةعندما نحمل إيديولوجيا مثل الصهيونية، عكس ما يروجه المدافعون عنها، البعيدة كل البعد عن الحضارة الغربية المهيمنة، لا داعي لمهاجمتها. وعندما نحمل عيوبا معروفة وواضحة، فأحسن وسيلة لحجبها هي توجيه التهم لمعارضيها، ذلك هو منهج الصهاينة.ولحجب تعصبهم الديني الخاص بهم والإقصاء العرقي للآخرين لا يجد الصهاينة أحسن من تحميل الإسلام وأنصاره بشتائم تعكس الإيديولوجيا الخاصة بهم القائمة على ترجمة حرفية للإنجيل. إذ لا يوجد هناك شيء في الصهيونية لا نجد له شرحا ومبررات في الكتاب، الذي يستعمل كدليل ومصدر أدبي، وأساس القانون، ودستور سياسي، وأساس كل القوانين في إسرائيل: حق الملكية كحق من حقوق الإنسان، الذي يستفيد منه اليهودي، فقط، الذي تحول له اليهودية العفة، المؤكدة من حاخام أرثوتودكسي.  الصهيونية هي شمولية تستمد من الكتاب المقدس والتعاليم المعمول بها، عبر القرون، من طرف السلطات الدينية. وتقدم على أنها تشكيلة إيديولوجية لا غبار عليها تتحدى أي محاولة إصلاح من الداخل أو التأثير من الخارج. هو تعصب ديني يستعمل الوسائل الحديثة للتحليل، من أجل عقلنة نظرية عرجاء للعالم ومكانة إسرائيل في العالم، نظرة غير مفهومة وغير عقلانية عندما تعزل عن مراجعها الدينية.الأمم المتحدة والقانون الدولي لا يوجدان في الإنجيل.. فمن الإثم احترامهماترفض إسرائيل العالم الذي لا يعكس الصورة المقدسة للإديولوجيا الدينية التي تؤسس عليها شرعيتها. إن القانون الدولي الذي تطور خلال نصف القرن الأخير، وحقوق الإنسان كما تقدرها الدول العصرية، هي تركيبات قانونية غريبة بالنسبة لإسرائيل، لا تجد لديها سندا معنويا تدعم وجهة نظرها في التاريخ والإنسانية. فعدم الاستجابة لإدانة الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة واليونسكو، والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي وغيرها، كعدم احترام القوانين الدولية الخاصة بالحرب، ومعاملة أسرى الحرب، واستعمال الأسلحة الكيميائية والنووية، والتعذيب، والحق البحري، يثبت أن إسرائيل لا تعترف إلا بالمؤسسات والقانون المستمد بطريقة مقدسة من الإنجيل والمملى مباشرة من الإله على الرسل، فلا القانون الدولي وقانون البشر والمؤسسات الدولية كانت موجودة في الأثر القديم، عند صدور الإنجيل، إذن جل القوانين والمؤسسات الدولية ما هي إلا ثمرة العالم المعاصر، وإسرائيل ليست مغرمة بقبولها لأنها مجرد ”بدع” يرفضها كل صهيوني حقيقي يريد الحفاظ على التقدير الممنوح لرسل إسرائيل الأثرية والكلام المقدس الذي يروجونه.وتعتبر إسرائيل أن العوامل التي يجب محاكمتها على أسس يجب أن تستمد من الإنجيل، كما قرأها وفسرها مؤسسو الصهيونية.على هذا المنحي، إسرائيل متأكدة بأنها الوريث لرسل، بحكم الإرث أنها تقوم بمهمة إلاهية التي لا يمكن مساومتها وتغييرها، خوفا من فقدان حق وجودها. إسرائيل وحدة استيطانيةليس بمقدور إسرائيل تفنيد واقع اختلاقها بفضل القوى الأجنبية التي استولت على الشرق الأوسط بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بل تحاول شرحه بالإرادة الإلهية أو بالإرادة السياسية لحكام بلدان الحوالات المالية المعينين في اتفاق فرساي، وفق تقسيم للمنطقة بين فرنسا وبريطانيا، بمشاركة ممثل الصهيونية، فربرت سموئيل، عضو في الغرفة البريطانية وقتذاك، قبيل نهاية الحرب (اتفاق سايكس بيكو الموقع في 16 ماي 1916). يشار إلى أن السلطات الروسية البلشوفية كانت وراء الكشف عن الاتفاق السري والتي نشرت النص الكامل في إزفيزتيا والبرافدا في 26 نوفمبر 1917. إذن هذه الوحدة الاستيطانية من صنع قوى أجنبية في المنطقة، لا يمكنها أن تتنصل من الخطيئة الأولى التي كانت وراء نشأتها. فعكس ما يروج المدافعون والمساندون، إسرائيل ما هي إلا تناج لحركة التحرر الوطني، كون اليهود الذين كانوا في البلد جاؤوا من بلدان أخرى، وكون السكان الأصليين، الفلسطينيون، لم تتم استشارتهم ولم يكونوا موافقين، بل قاوموا الغزو في ظل السلاح البريطاني الذي سلب منهم أراضيهم وتم نفيهم من وطنهم بقوة جيش الاحتلال الأجنبي المدعم من طرف الدول الأجنبية. ومهما كان المصطلح الذي يضعه المحتل الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية، فهي الوحيدة على تراب فلسطين التاريخية القادرة على تجسيد حركة التحرير الوطنية. فما العملية الإسرائيلية إلا امتداد للاستعمار المعاصر.إن القدرة العسكرية لإسرائيل، ونجاحاتها العسكرية السابقة أو القادمة لا تضيف ولا تنقص شيئا من طابعها الاستيطاني، ولو ادعت أنها تستمد الشرعية من الإنجيل.حتى رفض الاعتراف بالفلسطينيين كشعب وحقهم في خلق دولة، هو دليل إضافي للطابع الاستيطاني لدولة إسرائيل. لو كانت شرعيتها تأتي من مصدر آخر خارج إرادة القوات الأجنبية بإقامة الحجة للتدخل باستمرار في منطقة جغرافية في العالم ذات أهمية استراتيجية شاملة، بحكم الموقع، لم يكن أمام إسرائيل أي مانع من ترك الفلسطينيين إنشاء دولتهم، إلى جنب إسرائيل. فإسرائيل تريد محو اسمية ونعت فلسطين والتاريخ لأن هذين النعتين يذكران بوجود شعب سلب من مقوماته بعملية استيطانية بتفسيرات دينية، متناقضة مع المفهوم العصري للإديولوجيا السياسية الرامية إلى فصل الدين عن الدولة.إسرائيل والبربرية المقدسة ودولة الحقد الدائم والكاملمن اللافت للانتباه أن مناضلي العلمانية الشرسين في الدول الغربية – العلمانية لا تطبق بحذافيرها إلا على دعاة الدين الإسلامي بطبيعة الحال - سواء من الصهاينة أو من مسانديهم يرفضون تطبيقها على إسرائيل أين تطبق ”الشريعة على طريقة الحاخامات”، ما دامت الجنسية اليهودية تمنح على أساس شهادة الحاخام الأرثدوكسي، ومادام حق الملكية، وفقا للإنجيل، يمنح فقط لليهود، ومادام القران يتم حسب الطقوس الدينية، ناهيك عن الميراث، وحق السكن الممنوح فقط لليهود، وترقيم السيارات الخاص باليهود، لفصل اليهود عن غير اليهود، ومدن خاصة باليهود فقط، والنفي والسجن والأحكام بالإعدام والتنفيذ الجماعي لغير اليهود فقط، تحت أي ذريعة كانت تلفق لهم المسؤولية الجماعية. قد لا تنتهي قائمة الأعمال العقابية لغير اليهود التي يبررها الإنجيل وتفاسيره.وتحتفظ الدعاية الصهيونية بحق المصادرة لعملية الإبادة التي تتستر بثوب تعاليم الإنجيل التي لا يستطيع أي صهيوني معتدل خرقها دون التعرض للعقاب الإلهي. لذا تعتبر إسرائيل نفسها مخولة من الإله لارتكاب التجاوزات و«تطهير” الأرض المقدسة من آثار غير اليهود، الذي هو بمثابة نجاسة، كون اليهودي فقط، من وجهة نظر الإنجيل والإله، حسب رواية الصهاينة، يرقى إلى مكانة الإنسان.الخاتمةأين القيم التي يتغنى بها الغرب في إسرائيل، التي تقدم على أساس أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة والعصرية في المنطقة، لتعطي دروسا في السياسة لبلدان الجوار، الغارقة في الفوضى والعنف، جراء التدخلات المباشرة أو بوحي من طرف ما، أو كمعقل متقدم للحضارة الغربية في منطقة تسودها البربرية والعنف غير العقلاني؟ يقال إن الجمل لا يرى حدبته. من الواضح أن إسرائيل، التجسيد السياسي للصهيونية، التي هي بمثابة إيديولوجيا دينية عصبية وقديمة، مثلها مثل مسانديها، وهم أقوياء وأغنياء وأصواتهم عالية، لا يرون حدبة التعصب الديني، العنصري، بلا خجل ولا عقدة، للتمييز العرقي الذي لا يختلف عن الأبرتيد في جنوب إفريقيا، بتبرير العنصرية بتعاليم الإنجيل، البعيدة عن موطن حقوق الإنسان. إن العنف غير المحدود الذي باشرت فيه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في الأسابيع الأخيرة، عنف متصاعد، بتشجيع من بلدان وإعلام لا تتقاسم معها القيم، ولو أنها تدعي ذلك، ما هي إلا انعكاس للضعف لطبيعتها الاستيطانية الهمجية دينية متطرفة وعنصرية. إن الصهيونية إيديولوجيا دينية للحرب والعنف تحمل الحقد للشعوب الأخرى والديانات الأخرى، فإسرائيل لا تقوم سوى بالذهاب إلى أبعد حدود الإيديولوجيا، في سياسة الإبادة للشعب الفلسطيني والترويج لمعاداة الإسلام عبر العلم. من يستطيع وضع حد لسياسة الحقد المنتهجة من الفكر الصهيوني الذي تطور ليصبح رمز وقطب الدعاية؟ لا توجد أي قوة في العالم، ما يعطي قوة للمصطلح الاستيطاني الهمجي، الذي تتحكم فيه إسرائيل –«دولة فرانكنشتين”- التي لا تخضع حتى لرقابة مؤسسيها الاستعماريين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: