لم تستطع الحكومة أن تقول بوضوح ماذا تريد بالضبط من الغاز الصخري، وغالب الظن أنها تحاول فقط ربح الوقت، قبل إعلان أنها قررت دخول هذا النوع من الإنتاج، ولأسباب متصلة على ما يبدو باعتبارات وحسابات لا تتعلق فقط بإيجاد مصدر طاقة جديد ومورد جديد للريع. إن شعور السلطة بأنها لا تستطيع الإعلان صراحة أنها استجمعت شروط استغلال الغاز الصخري وأنها قررت ذلك فعلا، ليس لأن حجتها الاقتصادية والتقنية ضعيفة، بل لأن من يعبر عن هذه السلطة منقوص الشرعية والمصداقية لدى المواطنين، ولأنه اتخذ القرار انطلاقا من اعتبارات لم يحسب فيها حساب إدارة إعلامية سياسية للإقناع، ولم ينضج القرار وفق آليات عمل سياسية، ولا حاجة لوصفها بالديمقراطية. الذي لم تكن تتصوره السلطة القائمة هو تجند المواطنين، خاصة في ولايات الجنوب الكبير، ضد هذا النمط من المحروقات، وأن وسائل ووسائط الإعلام والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، وليس الأحزاب ولا المجتمع المدني، تمكنت من جعل القلق يكبر عند هؤلاء المواطنين، ومن جعل تطمينات الخطاب الرسمي غير مؤثرة تماما. وهذا يعني أنه في الوقت الذي ما زالت آليات القرار متخلفة ديكتاتورية بل وغبية خاضعة لحسابات واعتبارات لا تأخذ بعين الاعتبار رأي المواطنين، قبل مصالحهم، في هذا الوقت دخل المواطنون، خاصة الشباب، عالما آخر أكثر حداثة من عالم السلطة المتخلف الرديء. إن خروج الجزائريين إلى الشارع، سواء احتجاجا على الغاز الصخري أو احتجاجا على مسائل أخرى، يعني في ما يعنيه أن هؤلاء الجزائريين لا يجدون في البرلمان وفي المجالس المنتخبة والأحزاب السياسية القائمة وفي المجتمع المدني من يعبر عن رأيهم، ومن يدافع عن مصالحهم ويعترض على قراراتها، أو يخضعها على الأقل للنقاش والجدل قبل اتخاذ القرار. وعلى الرغم من أن “الجدل” اقتصر على مسألة مخاطر “التكسير المائي” للصخور أو لنقل النفاذ إلى قلب الصخور ودفع الغازات أو الزيوت إلى الخروج، على تلوث المياه الجوفية، فإن المسألة الأكثر أهمية هي: كيف يتخذ القرار؟ تلك مشكلة حقيقية في بلد شبابه، وهو الغالبية من ديموغرافيته، أكثر حداثة من نخبة القرار فيه، وتلك مشكلة عميقة تزداد وضوحا في العلاقة بين أصحاب القرار والسلطة وبين الجزائريين. أما تحرك المجتمع فهو حالة صحية جدا، من زاوية أن الجزائريين وجدوا، ولو أن ذلك غير كاف، وسيلة تعبير حديثة تتخذ الاحتجاج السلمي وسيلة لتعويض غياب الرقابة على عمل السلطة وقراراتها. الواقع أن منطق السلطة القائمة منطق أركائيكي متخلف بقرون ضوئية، فالقرار السياسي ما زال لا يكترث كثيرا برأي الجزائريين، وكثيرا ما تكون اعتبارات القرار خاضعة لضغوط “مصلحية” تلتقي فيها حسابات مصالح الداخل والخارج. من ناحية أخرى، رأينا محاولات إدخال تحرك المواطنين ضد استغلال الغاز الصخري، في أتون الصراعات الداخلية للسلطة، وحتى القول إن عصبة “غير مستفيدة” من ذلك القرار هي التي حركت الشارع ضد العصبة “المستفيدة”. وهذه الصورة تعكس في الواقع حال النظام المهترئة وحال ممارسة السلطة المتخلفة، خاصة أنها فقدت أداة الإقناع الأساسية: الريع. وإذا تأكد أن هناك في السلطة من يعترض على إنتاج الغاز الصخري، فذلك قد يكون مسألة إيجابية من زاوية أن هناك جزءا من السلطة بعيد عن “الحسابات” التي قررت، بهذه الطريقة وفي هذا الظرف، استغلال الغاز الصخري، ولكن الخوف كل الخوف أن تكون المسألة مجرد صراع مصلحي أو محاولات إضعاف عصبة لعصبة أخرى، أو أنها مجرد إدارة إعلامية. ويبقى المهم، ولو مرحليا وجزئيا، أن الجزائريين تغلبوا على سلبية كانت تقدم للسلطة والحكم مبررا للاستمرار في ممارسة السلطة بتلك الطريقة غير السياسية وغير الديمقراطية التي تعرض مصالح البلاد للتلاعب، وذلك عامل آخر يدفع للتغيير الملح والعاجل، ولبناء نظام سياسي جديد يجعل الجزائريين جزءا أساسيا من معادلة القرار. لقد انتهى عهد السلطوية إلا في منطق الحكم في الجزائر، والسلطة اليوم بالية عاجزة و “خوافة”، ولهذا كيف يمكنها، وهي بهذا العجز والرداءة، أن تقف في وجه المصالح الداخلية والخارجية، إضافة لأزمة أطلت بوجه قبيح جدا ومخيف جدا؟هذه السلطة، ورغما عنها، لا ينبغي أن تظل مطلقة اليدين في التعامل مع المصالح الداخلية والخارجية، لأن ذلك هو الحل الوحيد حتى الآن لحمايتها وحماية ما تبقى من حرية القرار[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات