إذا كان أصل العلاقات الإنسانية التّعارف لا التّنافر، والتّعاون لا التّخاذل، {.. لِتَعَارَفُوا ..} الآية، وإذا كان أصل العلاقات الإسلامية الأخوة والتّراحم والتّحابب والتّآزر {إنّما المؤمنون إخوة}، ولقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد”، فإنّها في الرّحم أأكد ووزر قطعها أشد، فقد ساوى الله عزّ وجلّ بين الإفساد في الأرض وقطع الرّحم فكلاهما فساد وانحراف عن الفِطرة وبُعد وإعْراض عن أحكام الله {فَهَل عَسِيتُم إنْ تَوَلَّيْتُم أنْ تُفسدوا في الأرض وتُقَطِّعوا أرحامكم * أولئك الّذين لَعَنَهُمْ اللهُ فأصَمَّهُم وأعْمَى أبْصَارهم}.قال الإمام النّووي: [لا خلاف أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية، والصِّلة درجات بعضها أرفع من بعض]. فأوّل ما يجب من الرّحم الوالدان وهما جنّة المؤمن أو ناره، والرّحم الّتي من خلالهما وبسببهما فإنّ صلتها ولاشكّ هي من تمام برّ الوالدين، فكلّما كان الولد بارًّا برحمه (إخوانًا وأعمامًا وأخوالاً..) كلّما كان أقرب وأحبّ إلى والديه وهذه لغة تفهمها القلوب وتعيها الأرحام. وتأكيدًا منه سبحانه وتعالى على صلة الرّحم فقد جعل مقابل ذلك من الأجر والثّواب والإحسان ما يعرفه البار الواصل لرحمه، فبها تمطر السّماء رحمة وتزيد العمر بركة والرّزق سعة والقلوب صفاءً ومحبّة، بل إنّ أجر الصّدقة والزّيارة إذا كانت على ذوي القُربى والرّحم تضاعف لأنّها الأولى بك من غيرها {وأُولُوا الأرحام بعضُهم أوْلَى ببعض في كتاب الله}، تعود مريضهم وتسدّ حاجة المحتاج فيهم وتنصح جاهلهم وتصلح ذات بينهم، تحضر أفراحهم ولو جافوك وتحزن لحزنهم.ولعلّ من أسباب القطيعة بين الأرحام هي المعاملة بالمثل بمعنى ألاّ أزور إلاّ مَن زارني، ولا أخدم إلاّ مَن خدمني، وهذا خطأ، بل لقد حقّق الشّيطان بهذا أمنيته في الوقيعة والقطيعة، بل إنّ القصد في الأعمال ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ، ومَن كان هذا ديدنه لا يهمّه فإنّه ولا شك يدفع دائمًا بالحُسنى ويُبادِر للخيرات وهو في ذلك مأجور، قال صلّى الله عليه وسلّم: ‘’ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها’’.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات