تفرّد الله جلّ جلاله بالكمال والجلال وكتب النّقص على خلقه، والإنسان وإن كان أفضل الخلق إلاّ أنّه ناقص ضعيف يَعْتَوِرُه النّقص من كلّ جانب، ويلفّه الضّعف من كلّ النّواحي، وإن جهل كثير من النّاس وحسبوا أنفسهم كاملين فيما يقولون وفيما يفعلون، فصار الحقّ ما قالوه والصّواب ما فعله وهذا لا ينقضي العجب منه! وأعجب منه ظنّ غيرهم من المغفّلين فيهم ذلك!!. لقد وردت آيات عدّة تقرّر قاعدة ملازمة النّقصان لبني الإنسان.قال الله عزّ وجلّ: {يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا}، فالإنسان ضعيف من جميع الوجوه: ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصّبر، فناسب ذلك أن يخفّف الله عنه، ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوّته. ولا حدّ لضعف الإنسان هذا فقد ذكر القرآن بعض صوره الّتي يشهدها المرء من نفسه، ومن ذلك: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}، {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}، {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا}، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ..}، {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ}.إنّ مَن اجتمعت فيه هذه الصّفات لهو بحقّ مجمع النّقائص وملتقى القصور! إنّما هو فضل الله ونعمته على هذا المخلوق المسكين، لكن كثيرا من بني الإنسان لم يقدروا قدرهم، وغفلوا عن نقصهم، واغترّوا بستر الله؛ فبارزوا الله بالكفر أو بالمعصية، وطعنوا في حكمته بعقولهم الكليلة، وطعنوا في حكمه بتجاربهم الهزيلة، ولو راجعوا أنفسهم لعرفوا أنّ ضلالهم هذا ابن نقصهم وجهلهم وليد قصورهم؛ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.إمام وأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات