+ -

 أشارت عقارب الساعة إلى الواحدة والنصف حينما انطلقنا نحو الحي المنكوب رفقة الطواقم الطبية وسيارات الإسعافات والصحفيين، تتقدمنا سيارات الصليب الأحمر الدولي بعد أن سمح الاحتلال بإعطاء هدنة لساعتين في محيط حي الشجاعية فقط، لإخلاء الشهداء والجرحى من داخل المنازل، والسيطرة على الحرائق الهائلة التي اندلعت في الحي.تقدمنا رويدا رويدا خوفا من صاروخ أو قذائف تصيبنا.. يا للهول لا شيء يوحي بأي معالم أحياء ومنازل في منطقة يسكنها بشر سوى رائحة الموت والبارود، لا منازل منتصبة، أشجار اقتلعت وأعمدة الكهرباء والهواتف مقطعة، وكأن زلزالاً ضرب هذا الحي الواقع شرق شمال قطاع غزة.شوهدت الجثث ملقاة في الشوارع وظهرت لنا أنهم فروا من بيوتهم للنجاة فباغتتهم قذائف الاحتلال وأردتهم شهداء، بينما في الركن الأيسر من الحي مشهد يفتت الكبد من هوله، شهداء أشلاؤهم متفحمة وبطونهم مبقورة وأخرى لجثث قطعت رؤوس أصحابها.وصدم الصحافيون والمنقذون من مشاهد الدمار والخراب غير المسبوقة في الحي، حيث هدمت عشرات المنازل وانتشرت رائحة البارود في كل زاوية من زواياه.دقائق أخرى حتى صرخ أحد رجال الإسعاف ”تعالوا هنا تعالوا هنا لنقل الجثث، هنا الكثير من الجثث”. فتحرك رجال الإسعاف ليكونوا أمام جريمة إبادة عدد كبير من عائلة الشيخ خليل التي لاقى أفرادها حتفهم في سلم البيت وهم يهمون بالخروج من المنزل المكون من 3 طوابق. أسرعنا إلى منزل عائلة الشيخ خليل لنرى الجثث المكومة فوق بعضها، وكان واضحا أن الأب مات محتضنا عدداً من أطفاله الصغار، كان واضحا أن جميع من تواجد في سلم المنزل قد لاقى حتفه.وما أصعب دمع الرجال! بكى الذين خرجوا من منازلهم أو الذين تشجعوا على العودة إلى الحي مع بدء سريان فترة التهدئة من هول الموقف، خاصة وهم يرون رجال الإسعاف ينتشلون الجثث من حطام المنازل المقصوفة.وكانت النيران لا تزال مشتعلة في الطابق الأرضي من مبنى شقق سكنية غطى السواد واجهته. في حين تمزقت سيارتا إسعاف إلى قطع صغيرة بفعل القصف الذي أصابها مباشرة فأحالها إلى قطع صغيرة، لكننا لم نعلم إن كان بها ركاب.الركام والظلام ورائحة الغبار والبارود لم تخف أنين طفلة فاقدة الوعي تحت الركام، فسارع المنقذون من المتطوعين والمسعفين إلى متابعة أنينها بغية إنقاذها ونقلها إلى المستشفى، بينما واصل فريق آخر نبش الأنقاض لانتشال جثث الشهداء.المشهد كارثي ويلخصه أحد المسعفين بقوله ”لا نستطيع سوى حمل الجرحى والقتلى الذين نستطيع تحريكهم”.حاولنا التقدم أكثر لنكون شاهدين على مآسي المجزرة ولتسجيل المزيد من قصص الموت، لكن الطائرات الحربية حذرتنا بإطلاق صاروخ واحد باتجاهنا وكأنها تقول لنا لا تتقدموا أكثر من ذلك. غادرنا المكان وبقي كثير من الجثث تحت أنقاض الحي المنكوب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: