+ -

 يدلّنا سبب فتح مكّة على أنّ أهل العهد والهدنة مع المسلمين إذا حاربوا مَن هم في ذِمّة المسلمين وجوارهم صاروا حربًا لهم بذلك. ولم يبق بينهم وبين المسلمين من عهد. وهذا ما اتّفق عليه علماء المسلمين.تدلّنا الطّريقة الّتي قصد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة على أنّه يجوز لإمام المسلمين ورئيسهم أن يُفاجئ العدو بالإغارة والحرب لدى خيانته العهد ونبذه له. ولا يجب عليه أن يعلّمهم بذلك. أمّا إذا لم تقع الخيانة وإنّما خيف منهم ذلك بسبب علائم ودلائل قويّة فلا يجوز حينئذ للإمام أن ينبُذ عهدهم ويفاجئهم بالحرب والقتال بل لابدّ من إعلامهم جميعًا بذلك أوّلًا بدليل قوله تعالى: “وإمّا تَخَافَنَّ مِن قوْم خِيانةً فَانْبُذْ إليْهِم على سواء إنّ اللهَ لا يحبُّ الخائنين” الأنفال 58، أي أعلمهم كلّهم عن نبذك لعهدهم.وفي عمله صلّى الله عليه وسلّم أيضًا دليل على أنّ مباشرة البعض لنقض العهد بمثابة مباشرة الجميع لذلك ما لم يبد الآخرون استنكارًا حقيقيًا له. فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اكتفى بسكوت عامة قريش وإقرارهم لما بدر من بعضهم من الإغارة على حلفاء المسلمين، دليلًا على أنّهم قد دخلوا بذلك معهم في خيانة العهد، وهذا لأنّه لما دخلت عامة قريش في أمر الهدنة تبعًا لكبارهم وممثّليهم اقتضى الأمر أن يخرج أيضًا هؤلاء العامة عن الهدنة، تبعًا لما قام به كبارهم وزعماؤهم وممثلوهم.وقد قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جميع مقاتلة بني قريضة في السنة الخامسة من الهجرة النّبويّة دون أن يسأل كلا منهم هل نقض العهد أم لا. وكذلك فعل ببني النّضير، فقد أجلاهم كلُّهم بسبب خيانتهم للعهد الّذي بينهم وبين المسلمين (في السنة قبلها وفيها نزلت سورة الحشر) وإنّما كان الّذين باشروا الخيانة بضعة أشخاص منهم فقط.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات