+ -

 كان الاهتمام الرسمي في الجزائر بالتّصوف والطّرقية كحماية من التّطرف الدّيني والعنف وحاجة انتخابية في أحيان أخرى منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، ولم يلْق الاهتمام بالمالكية والإباضية عناية ودعمًا واضحًا، والحديث عن المرجعية الدّينية والوطنية أمام المدّ السّلفي-الوهابي والعولمة الجارفة يتطلّب الإحياء والعودة إلى الخصوصية المغاربية الصّافية المُميّزة لهويّتنا وقيمنا الثقافية والاجتماعية، وهذا الاهتمام -بغض النّظر عن دوافعه السياسية والاستراتيجية- شاركت فيه أيضًا بعض المؤسّسات الغربية الأمريكية -في الاهتمام بالزّوايا- أمام تزايد خطر الجماعات المسلّحة المُنتمية للقاعدة، على اعتبار أنّ التّصوف والطّرقية كتُراث ديني وثقافي وأنثربولوجي يمكن أن يشكّل وقاية من التّطرف عند الشّباب.من المهم فهم العلاقة بين التّصوف-كمؤسّسة ثقافية واجتماعية- والسّلطة، سواء تمثّلت في أنظمة سياسية مثل المرحلة الكولونيالية الاحتلالية للجزائر أو من خلال علاقتها بالآخر، أي المسيحي الغازي، إنّ الارتباط بهذه السّلطة أو تلك، بهذا الأمر أو بذاك ظاهرة حاضرة عند بعضهم، وقد ظلّ جدل القرب والبعد من السّلطة القائمة المتمكنة عامل تقوية أو إضعاف للطّريقة الصّوفية.لقد كانت هناك دائمًا اختراقات وتبادل تأثير بين المذاهب والتيارات، والتّأثير الّذي تُحدثه اليوم الوهابية-السّلفية في شبابنا يحتاج منّا إلى فهم ذلك من خلال تحليل طبيعة السّلطة في المغرب الأقصى مثلاً الّتي ظلّت تنتصر للمالكية وللطّرقية الصّوفية كجزء من هويّتها وكحارس أمين لبقائها، كما أنّ هذه السّنية التّقليدية المُغرمة بالحواشي الممزوجة أحيانًا بصوفية غير عقلانية هو عامل آخر لتحوّل وجهة الأجيال الجديدة نحو وهابية - سلفية أكثر تشدّدًا، فالتّشدّد والتّسلّط والتّوظيف الإيديولوجي للمالكية أو الطّرقية الصّوفية أحيانًا هو الّذي كان وراء تشدّد وتعصّب نقيض له.إنّ التّجربة الصّوفية الطّرقية تجربة دينية تاريخية اجتماعية معقّدة ليس من السّهل أن نصنّف كما تعوّدنا دائمًا على أنّ هذا من الإسلام أو ذاك؟ أو هل كانت مع المستعمِر أم لا؟ وهل كانت مع الاستقلال؟، إنّها ظاهرة تاريخية لا تخضع للمقاسات العادية وللفهم السّريع، كما أنّ الارتباط بالسّياسة والسّلطة والمال ظاهرة تحتاج إلى معاودة القراءة والتّاريخ والتّأويل، أمّا التّوظيف لها اليوم فهو يتوقّف على طبيعة ذلك، قد يكون سافرًا أحيانًا ويخضع لموازين تتعلّق بالانتخابات والنّفوذ والقوّة، وقد يساهم في أمن ثقافي ضمن رؤية استراتيجية للدولة تضع في الحسبان دور القُوى النّاعمة في تطوير مرجعيتنا ودعمها سياسيًا وماليًا وقانونيًا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات