+ -

 قلنا فيما مضى إن صحّ ما دلَّت عليه الأحاديث والآثار إنّ بدء مشروعية القتال إنّما كان بعد الهجرة. ولقد وضعت هذه المشروعية موضع التّنفيذ في شهر صفر على رأس اثني عشر شهرًا من هجرته صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة. فقد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ ذاك لأوّل مرّة بقصد الغزو وكانت الغزوة إذ ذاك غزوة ودان يُريد قريشًا وبني حمزة ولمنه عليه الصّلاة والسّلام كفى القتال فقد وادعه بنو حمزة وعاد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصحبه إلى المدينة دون قتال.سببها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سمع بعير تجارية لقريش قادمة من الشّام بإشراف أبي سفيان بن حرب، فندب المسلمين إليها ليأخذوها لقاء ما تركوه من أموالهم في مكّة، فخفّ بعضهم لذلك وتثاقل آخرون إذ لم يكونوا يتصوّرون قتالًا في ذلك.. ويصوّر لنا الحقّ عزّ وجلّ هذه الحال في سورة الأنفال بقوله: {كما أخْرَجَك رَبُّك مِنْ بَيْتِك بالحَقِّ وإنَّ فَريقًا منَ الْمؤمِنين لَكَارِهون يُجادِلُونَك في الْحَقِّ بَعْدَما تَبَيَّنَ كأنَّمَا يُسَاقُون إلَى الْمَوت وَهُم يَنْظُرون وإذْ يَعِدُكُمْ اللهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْن أنَّها لَكُم (العير أو النّصر) وَتُوَدُّون أنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَة تَكونُ لكُم (يعني العير) ويُرِيد اللهُ أنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلماتِه وَيَقْطَع دَابِرَ الْكافِرين لِيُحِقَّ الْحَقّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَو كَرِهَ الْمُجْرِمُون} الأنفال:5-8. وتحسّس أبو سفيان الأمر وهو في طريقه إلى مكّة فبلغه عزم المسلمين على خروجهم لأخذ العير فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة ليُخبر قريشًا بالخبر ويستنفرهم للخروج محافظة على أموالهم.فبلغ الخبر قريشًا، فتجهّزوا سراعًا وخرج كلّهم قاصدين بدرا وحتّى أنّه لم يتخلّف من أشراف قريش أحد، وكانوا قريبًا من ألف مقاتل، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ليال مضت من شهر رمضان مع أصحابه وكانوا فيما رواه ابن إسحاق ثلاثمائة وأربعة عشر رجلًا وكانت إبلهم سبعين يتعاقب على الواحدة منها اثنان أو ثلاثة من الصّحابة وهم لا يعلمون من أمر قريش وخروجهم شيئًا. أمّا أبو سفيان فقد أتيح له أن يحرز عيره، إذ سلك طريق السّاحل إلى مكّة وجعل ماء بدر عن يساره وأخذ يسرع حتّى أنجى عيره وتجارته من الخطر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: